أسعدي نفسَكِ بتربِيَتِهِم!
فاتن حلبي
إلى كُلِّ أُمٍّ تُعاني من مشاقِّ تربيةِ أبنائِها، وتواجِهُ عنادَهم وتصرُّفاتِهمُ المستفزَّةَ والمزعجة، إليها نوجِهُ هذا المقال، ونقول لها:
تمتَّعي بكلِّ لحظةٍ تُمضينَها معهم فإنَّها إذا ما مضت لا تعودُ! تمتَّعي بهم وأنت تشاهدينهم يكبرونَ ويتفتَّحونَ على هذه الحياةِ، فلكلِّ شيءٍ جانبٌ مشرقٌ وإيجابيٌّ! لا تقولي إنَّ وقتيَ مهدورٌ معهم ولهم فإنَّ كلَّ سنةٍ يمرُّون بها مرحلةٌ من الزمنِ مختلفةٌ فلا تفوِّتيها!
استمتعي بمناغاتِهم وابتساماتهمُ الأولى فبريقُها الأوَّلُ لن يبقى منهُ إلا ذكرياتٌ قليلةٌ، استمتعي بِحَبْوِهِم وراءَكِ وبمشيَتِهمُ الأولى فغداً لن يكونَ لها الطَّعمُ نفسُهُ ولا الفرحةُ نفسُها! استمتعي بأسئلتهم الكثيرةِ وبقفزِهم ولعبهم حولكِ وضجيجهم وصخبِهم، فغداً يهدأُ البيتُ وتحنُّ لهمُ الألعابُ بعدَ أن يغادِرَ كُلٌّ منهم ليكملَ مسيرة الحياة، ولا يبقى لكِ من تلكَ المراحِلِ إلا أحاديث ذات شجونٍ مصدَّرة بـ«كان» و«لعلَّ» و«عسى»..
إيَّاكِ والاستهانة بقدرات طفلكِ فهو يُحسُّ بالنَّظرةِ ويفهمُ مغزاها، ويعلمُ من نبرةِ صوتِكِ ضيقَكِ وسخطكِ أو حنانكِ وعطفكِ، وعادةً ما تكونُ ردَّاتُ فعله تبعاً لما يشعرُ بهِ من قبلكِ، ولم يكن الضِّيقُ وقلَّةُ الصَّبرِ واستخدام العنفِ ليجديَ نفعاً في مثل هذه الحالةِ، غير أن يتركَ ذكرى مؤلمةً لدى الطِّفلِ وخيبةَ أمل تنطبعُ في نفسِه وتؤثِّرُ فيهِ أثراً عميقاً.
استمتعي بهم! أنصتي لهم! غداً سيصبحونَ بعيدينَ وربَّما بكَيْتِ شوقاً إليهم وهم لا يعلمونَ أو يُحسُّون... تذكَّري وهم حولكِ الآنِ أنَّهم راحلونَ عنكِ في نهايةِ المَطافِ فهم ليسوا لكِ، إنَّما أودعهم اللهُ سبحانه عندكِ ليبتليكِ ويمتحنكِ بهم، فكيفَ تريدينَ أن يكونَ بلاؤُكِ؟ تذكَّري أنَّكِ تؤسسينَ بتربيتهم جيلاً سيصنعُ بتصرُّفاتِهِ وأعماله وخياراتِهِ مستقبلَ الأمَّةِ، فكيفَ تريدينَ أن تكونَ هذه الأُمَّة
خَفِّفي عن نفسِكِ باستحضارِ الأحاديثِ التي كرَّمتكِ أُمّاً لعظيمِ التَّضحياتِ التي تبذلينها، انظري إلى مَنْ حُرِمَت منَ الولَدِ واشعري بنعمةِ اللهِ عليكِ وفضلِهِ وكرمهِ أن رزقكِ أولاداً، وغيركِ على استعدادٍ لبذلِ كُلِّ ما يملكُ لقاءَ أن يسمعَ كلمةَ «أُمِّي»! اعلمي أنَّ المشكلاتِ اليوميَّةَ التي تعانينَ منها معهم لها أجلٌ محدودٌ، فمشكلةُ الطَّعامِ لا تدومُ طويلاً، وكذلكَ مشكلةُ النَّومِ، والأذى والشَّغب... ثقِّفي نفسَكِ بأساليب التَّربية النَّبويَّةِ وفنونِ التَّعاملِ معَ الأبناءِ، وتذكَّري أنَّ قسوةَ الآباءِ على أولادِهم بغير وعي أو حكمةٍ أنشأت جيلاً من الأبناءِ السَّاخطينَ، الذين لم يوجِّهوا غضبهم على الأعداءِ المتربِّصينَ ولا على الأخلاق المنحلَّةِ والقيمِ المبعثرةِ، وإنَّما صبُّوهُ على آباء وأمَّهاتٍ تنازلوا عن قيمِ التَّربيةِ وضيَّعوا الأمانة التي جعلها الله بينَ أيديهم...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن