عراق ما بعد أمريكا
بقلم: وسن محمد
بعد ثماني سنوات من الاحتلال الأمريكي المَقيت، تقهقرت قواته إلى الوراء، وغادرت العراق بخيبة شديدة وحسرة فريدة، لكنْ هل انتهت مأساة العراقيين؟!
لم يخطر في أذهان العراقيين أن القصة لم تنتهِ، وكل ما حصل هو استبدال أبطالها مع إبقاء ذات الأدوار لتتتابَع الأقدار حاملة في طياتها القتل والرعب والدمار!
هذه المرة بأيدٍ عراقية، تسترت بالديمقراطية والشعارات الدينية، لتنقضّ كالوحش الكاسر على أبناء السنة في العراق فترميَ بهم في جحيمٍ لا يفتر من التعذيب والاعتقالات والتهجير والخطف والإقصاء من الحياة السياسية والتهميش من كل الجوانب.
فها هي بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة العلم والعلماء تُترك قاعاً صفصفاً، ليس لأهل السنة فيها حول ولا قوة، يسيرون في شوارعها وقلوبهم تخفق وعيونهم تتلفت خشية أن تهاجمهم عصابة من الميلشيات الشيعية فتحيلهم في ثوانٍ معدودةٍ إلى قتلى أو مخطوفين، أو خوفاً من مفخخة تحصد أرواحهم وتمزق أشلاءهم... لم تعد مدينة الآمنين وملاذ الخائفين، فغادرتها آلافٌ مؤلّفة من أبنائها السنّة بعد أن أصبحت مدينة المفخخات، والخطف، والإرهاب، والميليشيات!
أما سجون (أهل السنّة) فتكاد تغُصُّ بالمعتقلين الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى إصرارِهم على عقيدتهم... لفحت جلودهم السياط، وأنَّتْ أرواحهم من وطأة التعذيب حتى الموت أو الصعق بالكهرباء، أو حرقهم أحياء، أو تثقيب أجسادهم، أو تذويبها بالمواد الكيماوية.. وارتفعت نسب إعدام المعتقلين السنّة حتى أصبح العراقُ الثالثَ على مستوى العالم... أما مَنْ تَثبتُ براءته فلا يطلق سراحُه إلا بعد دفع آلاف الدولارات!
وحين طغى الماء واستبدّ الحكّام خرج أهل السنة عام 2013 في مظاهرات سلمية مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات الأبرياء، وإيقاف إرهاب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وإنصاف أهل السنة في الحياة السياسية والاقتصادية. غير أن أصواتهم ارتطمت بدايةً بجدار من الصمت والتجاهل، ثم لم يبوؤوا بشيء غير التهديد والتغافل، وأخيراً اقتُحمت ساحاتُ اعتصامهم وفُتحت النار على المتظاهرين السلميين لتقع مجازر مروعة في الفلوجة والحويجة وديالى!... وتَواصل التهديد والاقتحامات حتى نَفَد صبر السلميين فأعلنوها حرباً فُرضت عليهم تعيد للعراق سنّيّته، وتسترد له هويته... وها هو القتل والقصف والحصار يحيق بمدن أهل السنّة منذ سنة ، ولا زالت المواجهات مستمرة...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عراقية مقيمة في لبنان، متخصّصة في الهندسة المدنية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة