خمسٌ مرّت.. والمسيرة مستمرة
بينا الفتى مَــرِحُ الخُطــا فَــرِحٌ بمــا
يسعى له: إذ قيل قد مَرِضَ الفتى!
إذ قيـــــل بــــات بِليلــةٍ مــــا نــامهـــــا
إذ قيــل أصبـح مُثخَنـاً ما يُرتـجى!
إذ قيـــل أصبـح شاخصـاً وموجَّهــا
ومعلَّلاً، إذ قيـل أصبح قد مضى!
أبيات تلخص قصة الحياة ومآلها، وتدعونا إلى مراجعة حساباتنا فيها ومعها في كل مرحلة وكل محطة، فقد يباغتنا الختام ونحن نسعى: أفكار، خطط، أعمال، إنجازات، علاقات... فإذا ما أسقطنا كل هذا على ميادين الدعوة إلى الله يصبح الأمر آكَد، ويضاف إليه ما سماه د. محمد موسى الشريف بـ «التوريث الدعوي» وهو مسمًّى آخر للتدريب بهدف نقل الخبرات من جيل إلى جيل؛ فقيادات الصف الأول قد يَدهمها تغير ظروف الحياة من غياب طوعي أو قسري أو تبدّل حال أو مرض أو اعتقال أو موت، فإن لم تورّث غيرها بالعمل على إعداد الصف الثاني والثالث، فإنّ الفراغ سيكون سيّد الموقف، يأتي معه التراجع ثم الترهل والاضمحلال..
تُرى.. كيف أصبح حال الدعوة عندنا في القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي بعد وفاة أم علاء؟
أم علاء قاطرجي مسؤولة القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي، توفيت في 7 شعبان 1431= 19 تموز 2010.
نشأتْ في بيت علم ودعوة، تابعت المسيرة شابة، وسارت على النهج نفسه بعد زواجها حتى وفاتها رحمها الله تعالى.. أعطت كلها للدعوة إلى الله ولهداية النساء من حولها، واجتهدت مع أخواتها في النهوض بالعمل الميداني في الجمعية.
تقول رحمها الله رداً على سؤال حول كيفية توفيقها بين مسؤولياتها الأسرية ومتطلبات العمل الدعوي في حوار لملتقى الشبان المسلم معها بعنوان: «الشباب المسلم.. خطوات نحو التميُّز»: «بالاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه قبل أي شيء، ثم بِدَعم زوجي وتعهُّده لي بالعلم والتربية والتحفيز الدائم إلى الأمام وغضّ طَرْفه عن الفَلتات، ثم بالتنسيق معه وترتيب الأولويات وتنظيم الوقت.. هذا بالإضافة إلى التعاون مع الأخوات في الدعوة والمشاركة في حمل همّها وتقاسم أعبائها ومسؤولياتها».
وقد كان لهذه الشخصية التي تمتعت بها رحمها الله أَثَرٌ في قلوب وعقول من يتعامل معها.. فما زالت حتى الآن تُذكر في أروقة الجمعية مع كل نشاط وكل أزمة تمر بها أخت أو أخرى.. إذ كانت الداعم والمحفّز الذي يَسند العاملات ويشجّعهن على تقديم المزيد، وشكّلت الحضن العاطفي للكثيرات..
ولعل مرضها رحمها الله كان تمهيداً لأخواتها في إدارة القسم النسائي كي يتولين مسؤولياتها، وقد اجتهدن في القيام بهذا العبء حتى لا يتأثر العمل أو يتراجع، وبالطبع عندما توفيت كان الأمر غير متروك، ورغم ذلك فقد اقتضى العمل فترة من الزمن حتى استقر واستعاد عافيته بالشكل المطلوب.. حيث أُسندت مسؤولية القسم النسائي من بعدها للأخت إيمان رمضان والفريق معها من الأخوات اللواتي حرصن على متابعة المسيرة ماضياتٍ قُدُماً في تحقيق أهدافها والنهوض بها.
سنوات خمس حدثت فيها تغيرات جوهرية إن على صعيد الجمعية أو على صعيد الأمة...
• فعلى صعيد الجمعية:
توسَّع العمل وزادت المؤسسات وأصبح الجهد مضاعفاً والمتطلَّبات أكثر.. وما زال تأثيرها ممتداً في الجمعية، وما زال ذكرُها وافتقادها سِمةً بين الأخوات.. وهنا أقول: هناك الكثير مما ورّثته للأخوات وانعكس على الأداء، وهناك الكثير مما لم يورَّث.. إذ هو من صميم الشخصية؛ ولكلٍّ بصمتُه.
وطبعاً لست بحاجة للإشارة إلى أن لكل إنسان نقاطَ قُوّتِه وضعفه، وصوابه وخطئه، وإيجابياته وسلبياته.. وأم علاء رحمها الله لا تشذّ عن هذه القاعدة.. ولكن عندما يغلب خير الإنسان على شره، وعطاؤه على شُحِّه.. فهذا له لا عليه، ومن الإنصاف والوفاء التنويه به.
• وعلى صعيد الأمة:
لو قُدِّر لأم علاء عمرٌ آخر لتفاعلت مع ثورات الربيع العربي وسياقاتها ومآلاتها، ولعاشت ثورة سوريّة بوجدانها وروحها وقلبها وفكرها وكل كيانها.. فلطالما تاقت نفسها لزيارة مسقط رأسها في دمشق موطنها الثاني بعد تركيا.. ولكَم كانت تتمنى أن تشهد زوال النظام الذي حَرَمَها إخوانَها الثلاثة الذين استُشهدوا في محنة سوريّة في الثمانينيّات.. ولله الحكمة البالغة، وبيده الآجال سبحانه.
أسأل الله سبحانه أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يُغدق عليها من حنانه سبحانه، وأن يجعل قبرها روضةً من الجِنان..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا