توأم الروح
تنظر إلى عينيه اللامعتين في إحدى جلسات الصفاء التي منَّ الله تعالى عليها بها منذ ارتبطا بميثاق غليظ غيَّر لون حياتها وطعمها.. تؤمن في داخلها أن النظر لزوجها بحب نوع من العبادة تستسيغه كل حين..
يبتسم إذ يلحظ نظراتها الحانية التي تحمل في طيّاتها أروع مشاعر ويسأل: «زوجتي وعشيقتي.. لِم تزوجتني؟!»
لم تملّ من إثارته للسؤال نفسه مرّات ومرّات بل في كل مرة كانت تجد جواباً يُضاف إلى الردود السابقة ولمّا تُفرِغ ما في جعبتها بعد.. تمسك بيده وتقبّلها.. وتنثر أحاسيسها كلمات تنبض حباً تلفّ كيانه: «لأنك أنت! لقلبك وروحك ونفسك وجسدك..» ولا يكتفي بذلك فيحاول استدراجها لبوح أعمق: «ما الأسباب التي تعتقدين أنها ساهمت في ترسيخ هذه العلاقة وتمتينها ما جعلني أنا أنتِ وأنتِ أنا»؟
تسرح في نظراتها إلى البعيد وتقول: «فهمُنا للزواج وأهميته وتحديد أهدافنا منه.. باعتقادي هذا هو السبب الرئيس الذي جعلنا متحابَّيْن منسجمين كل هذه الفترة بالإضافة طبعاً إلى سعينا لإنجاح هذا الارتباط والتفاني من أجل ذلك.. كنت مع صويحباتي حين نتبادل أطراف الحديث ويُذكر الزواج يتساءلن.. لِم تريدين الزواج؟ فكانت كل واحدة لها في الزواج هدف.. وكانت بعض الردود تثير استغرابي.. كقول البعض لأنها سنّة الحياة.. أو لأن الجميع يتزوج.. أو حتى: لا أدري! بينما كنتُ قد وضعت صورة في ذهني لغايتي من الزواج.. ولأهدافي منه.. وحددت أهميته بالنسبة لي ما سهَّل عليّ عملية الاختيار السليم بعد توفيق الله جل وعلا لي إذ رزقني زوجاً صالحاً مُحِباً حبيباً!..وأنت؟!»
يبتسم.. ويعود بالذاكرة إلى المحطة التي توقف عندها بعدما قرّر القيامَ بهذه الخطوة وبَدْءَ التفكير الجدّي بالارتباط.. ويقول: «الزواج ليس فقط علاقة مادية يقضي المرء فيها وَطَرَه، وإنما سبب للسكن والراحة والاستقرار والصحة النفسية.. كنت أتوقف كثيراً عند قول الله جل وعلا: {هنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ} فأُفتَن بمعانيها.. ذلك اللباس الذي يعني الستر والوقاية والزينة والالتصاق والانسجام.. نعمة لا يمكن الاستغناء عنها! كنت أتوق لبناء أسرة مسلمة تكون لبِنةً في مجتمع مسلم راق يُعيد للدِّين مجدَه، ويبني صرح الخلافة من جديد».
وتعقِّب قائلة: كنت أحلم برجل يضم معاني الرجولة وليس ذكراً على هامش الحياة.. رجل نعبد الله جل وعلا معاً ونعمر أرضه.. يكون لي صاحباً وحبيباً وسنداً أرمي على صدره همومي لأرتاح.. ونكون دائمَيْ التجدُّد في عيشنا حتى لا يقضي على شفافية العلاقة روتين، أو ملل! فكنتَ لي ذلك بالفعل.. السكن والمعيل والمسؤول والملاذ والشريك والرفيق والناصح.. وحَرَصتَ معي على الإبداع حتى لكأنني كل فترة في شأن»!
ثم يمازحها مداعباً: «وهل كنتُ لكِ كما تحبين؟! حبيبتي.. لقد وقع في قلبي القبول مذ رأيتك.. بعد أن اطمأننت على المعايير الأساسية التي كنت أفتش عنها من دين وخُلُقٍ وتكافؤ.. وكنتُ أدعو الله تعالى أن تكوني جذابة مؤنِسة.. وكم غمرتني الفرحة حين رأيت ابتسامتك التي لا تكاد تفارق ثغرك الجميل.. عجبتُ لأزواجٍ تتعكر حياتهم بعد أن يقضوا بضعة أشهر مع زوجاتهم! مع أن مفردات التواصل والحفاظ على حرارة العلاقة ليس بالأمر الصعب إن عقدا النية على الحفاظ عليها وسَعَيَا لذلك سعيه!
تضع رأسها على الجهة اليسرى من صدره لتسمع نبضات قلبه وتتمتم: «صدقت.. ولعل أهم أساس يُبنى عليه البيت هو تقوى الله جل وعلا.. فحينها يصبح للتراحم والتغافر والتغافل معانٍ أرقى.. وتسود المودة بعون الله جل وعلا.. وتربط كل فعل أو ردة فعل برضا الله تعالى.. فتُقبِل أو تُحجِم، تبادر أو تغادر على حسب ما يُمليه عليك إيمانك! فأنتَ في عبادة ورصيد حسناتك يزداد مع كل حركة أو سكنة.. فحين تعيش هذه المعاني يصبح للحياة طعم آخر»!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة