طمع تجاوز الحدود
بقلم: خديجة بيضون*
لبنان
مشكلتي اليوم ليست ككل المشكلات: الحُب فيها موجود... ولكن الطمع تجاوز الحدود!!
من الظلم أن أتهمه بالطيش لتسرعه بالزواج في سِن مبْكِرة!! لا.. لا لن ألومه لأنه اتخذ قرار الزواج.. رغم أنه لم يكن جاهزاً مادياً.. هو يريد إعفاف نفسه ولا ضَيْر في ذلك؛ فقد قال الله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32) فهو الشاب الكادح، المجتهد، المحافظ على التزامه، الحكيم بقيادته لذاته،الذي أكّد دائماً للجميع أنه لا يعمل إلا بعقلٍ وقلبٍ تابَعيْن للكتاب والسنة، وأن قراره باختيار فتاة ملتزمة هادئة كان بَعد استشارة أهل التقوى واستخارة. ووافق أهلها على زواجه منها لسمعته الطيبة وأخلاقه الحسنة. ورضيت الفتاة الصالحة بالقليل تماشياً مع أوضاعه المادية رغم أن أهلها من أصحاب الأملاك الواسعة. وتابع مشوار كفاحه ساعياً لِخَيرَي الدنيا والآخرة بسعادة وغبطة.
مرضت عروسه بعد ثلاثة أشهر من زواجها، فاصطحبها للطبيب ظناً منه أنه سيُبَشَّر بأجمل خبر،ألا وهو حملها. وكانت الصاعقة عندما أمره الطبيب بإجراء بعض الفحوصات لارتيابه بأمر خطير!! وأكدت النتائج أنها مصابة بالسرطان... اهتز كيانه، حاجز رهيب وقف بوجه أحلامه؛ أنّى له أن يتجلّد وهو الذي ما عرف الراحة يوماً.. وما إنْ لاحتْ له تباشير السعادة حتى انقضّ المرض كالوحش الكاسر ليفترس فتاةَ أحلامه...
استَغفرَ الله كثيراً... ورعاها بحنانه، وأغدق عليها مِن حُرِّ ماله، ساعياً لعلاجها بكل ما يمتلك، وأهلُها يطالبونه بتغيير المستشفى، والبحث عن أطباءَ أَمْهَر، من غير أن يساندوه ولو بالقليل من مصاريف العلاج! وحين حاول إقناعهم بحسن اختياره وأنه لا يبخل عليها بروحه، طار صوابهم ووصفوه بالبخيل ووضعوه أمام خيارين: إما أن يطلّقها أو يسفّرها للعلاج في الخارج، وعروسته شبه غائبة عن الوعي تعاني سكرات الموت!! وتبيّن له أنهم يخافون أن يَرِثها، فكان التعجيز!!
طلب منهم الرأفة بابنتهم وأن يتواصَوْا بالصبر وألا يَشرخوا الحب بقسوتهم وإصرارهم على الطلاق، ورجاهم ألا يختموا وداع متحابَّيْن بقسوةٍ أشـدَّ مِن وطأةِ الموت، وعاهدهم على التنازل عن أيِّ حقٍ له بعد وفاتها، لكنّ قلوبهم القاسية ملأتها الشكوك!!
السفر للخارج ما كان حلاً لقلة ذات اليد، فلم يجد مَفَرّاً من الطلاق!
* * *
فضيلة القاضي همام الشعار:
1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" رواه أحمد.. أَعطِنا توضيحاً صريحاً للاستطاعة. فهل يُخالف السنّة مَن تعجّل قبل الاستطاعة التامة لإعفاف نفسه من الوقوع في الحرام؟
• أما الاستطاعة في الزواج: فأفضل الأقوال فيها: أنْ يَمْلِك مُعجَّل مَهرِ مِثلها والنفقةَ لِما لا يقل عن سنة أو راتباً يغطي هذه النفقة.
فلا يُكلَّف بشراء منزل بل يكفي أن يكون قادراً على تأمين أجرة منزل يليق بحالهما.
2. هل مِن واجب الزوج أن يتكفل بمصاريف العلاج المُكْلِفة التي تفوق طاقته؟ وهل إلزام أهلها بالمشاركة يُعتبر تقصيراً بحق الزوجة؟
• بالنسبة إلى معالجة الزوحة المريضة:
الآن نظام أحكام الأسرة ينص في المادة 7 على وجوب توفير العلاج للزوجة. والمادة 3 شملت الطبابة والاستشفاء وثمن الدواء بما لا يخرج عن الحدود المعتادة.
• تطبيق النص: إذا أُصيبت زوجته بمرض استدعى استشفاءها فعليه أن يعالجها بحسب حاله بالنظر إلى حالته الاجتماعية.
فإن كان غنياً وجب أن يعالجها في المستشفيات المكلفة إن ظن أن العلاج هناك متميز عما هو عليه الأمر في المستشفيات العامة.
أما إذا كان فقير الحال فعليه إدخالها في المستشفيات الحكومية.
3. تحجَّرَت القلوب وغابت الرحمة! هل طلاق الزوجة وهي على فراش الموت يَحْرِم أحدَ الأزواج من الميراث؟
• بالنسبةإلى إجباره على طلاق زوجته: فلم يكن مجبراً على ذلك البتة.
أما الكلام عن الطلاق خلال المرض، فقد تناول الفقهاء موضوع طلاق الفارّ - أي طلاق الرجل لزوجته خلال مرضه العضال - فقالوا إنها ترثه لو أنه توفي خلال عدّتها.
ولكن الحالة هنا مختلفة، فالوفاة المحتملة هي للزوجة المطلَّقة لا للزوج. فلا تطبَّق عليه أحكام طلاق الفارّ بالاتفاق – أي الرجل المريض الذي يريد أن يطلق زوجته خلال مرضه كي لا ترثه -
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمينة سر "جمعية إصلاح ذات البين".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن