الأستاذ الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلي في ذمة الله
بقلم: د. عدنان محمد زرزور
نُعِيَ إليَّ الأخ الزميل الفاضل الدكتور وَهْبَة الزُّحَيْلي، وأنا أتامَّل من شرفة مَنْزلي العُلْوية في تركيا، لحظات غروب الشمس بين أشجار الصنوبر الشاهقة التي طالما تخيَّلتُ أغصانها وأوراقها أكُفّاً ضارعة لله تعالى بالتسبيح والدعاء... أن يتغمَّد الفَقِيد الغالي بالرحمة والمغفرة والرضوان.
وقلت في نفسي: نعم ! لقد غربَتْ شمسُ أبي عبادة، ولسوف تغرب بعدها شموس آجالنا التي قال تعالى فيها: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) (الرعد:38).
وقد كان الصحابي الجليل سيدنا معاوية رضي الله عنه خال المؤمنين وأوَّل ملوك الإسلام يقول إذا نُعِيَ إليه أحد أقْرَانِه: أنا والله مِن زَرْع قد استَحْصَد (أي: حان وقت حصاده)... وما أقْصَر الرحلة وأطول الحياة... ألم يقُلْ شيخنا الدكتور مصطفى السباعي: (الحياة طويلة بجلائل الأعمال، قصيرة بسَفاسِفِها!).
لقد عاش الدكتور وهبة حياة طويلة حافلة بالإنتاج العلمي الغزير، وبالدفاع عن دين الله وحُرُماته في عصر مُلْتهِب مُضْطرب سقط في شُبُهاته وشَهَواته كثير من أدعياء العلم والدين، ومن الصغار والمغفَّلين. إنَّ صراحة الدكتور وَهْبَة المعهودة بين أقرانه وزملائه وفي المحافل والندوات، بلغت أَوْجها يوم صدع بكلمة الحق في التشَيُّع وغيرها في ظروف بالغة الشدَّة والصعوبة... أو حالكة السواد، وكان يحمد الله تعالى على أنه على حالٍ إن لم يستطع فيها أن يجهر بالحق ، فإنه لن يقول كلمة الباطل وقد كان. وقد لا أرتاب في أن عنوان حياته كان قول الله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح: 7-8). وكان هذا دأْبُه ودَيْدَنه منذ أن كان طالباً في مراحل التعليم يتفوَّق على أقرانه بجدِّه واجتهاده، حتى أصبح عالماً منتجاً وفقيهاً موسوعياً كبيراً.
لقد أكبَّ الدكتور وَهْبَة على مَعِين الأمة وتراثها الفقهي دارساً ومُنَقِّباً ومؤلفاً، فكان غزير الإنتاج العلمي، بارعاً في جمعه وتصنيفه في سبيل تسهيل العلم للطلبة والباحثين كما كان ناجحاً في تنقيبه واجتهاده في صياغة النظريات والقواعد... وقد جمع بين الفقه والأصول، كما كانت له مشاركات أخرى في بعض حقول الثقافة العربية الإسلامية وعلوم الإسلام.
كان رحمه الله تعالى عالماً فاضلاً، وفقيهاً كبيراً، وباحثاً دؤوباً، وداعية صادقاً، وكان عالي الهمَّة، نقيَّ السريرة، وكانت سريرته كعَلانِيَته، برئت نفسه من النفاق والرياء، وكان صريحَ القول والرأي، يكره أصحاب الظاهر والباطن، ويجهر بكلمة الحق، لا يخشى في الله لومة لائم. ولا يُزكى على الله تعالى أحد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن