جراحات التعلّق..
لا شيء يُشعِرك بتفاهة الحياة أكثر من الموت.. فكَم يؤلِم الفَقْد.. تشعر بعده بأن كل شيء لا معنى له.. وأن الحياة دهليز مظلِم لا بُدَّ أن نمشي فيه حتى نصل إلى نهايته حيث يشع نورٌ يُبْهِر ويُسعِد! إن استحققنا معانقته!
أحياناً نعاقر الحياة وهمومها.. تصيبنا مصيبة فنُحَوْقِل.. ونهرب منها إلى التعلّق بإنسانٍ ما.. بحيوانٍ أليفٍ ما.. بشيءٍ ما.. ونرمي عليه حِملاً من العاطفة ثقيلاً.. ونشعر أن ما تعلّقنا به يعوِّضنا عن فَقدنا ذاك.. ونلهو به ونتعلّق.. ونزيد التعلّق.. حتى إذا ما فقدناه هو الآخر أُسقِط في يدنا ووقعنا فريسة الهمّ والأسى! ألم نَعِ بعد.. أن كلّ ما فوق التراب: تراب! ولا بُدَّ أنَّه زائلٌ في يوم قد يكون أقرب مما كنا نتوقّع بكثير؟! ونتنقّل بعد فَقدِه مرة أُخرى لنُعِيد الحكاية نفسها.. نتعلّق ونَفقِد ثم نكتئب لنعود فنتعلق.. حتى يقضي الله تعالى أمراً كان مفعولاً..
وأسوأ من هذا التعلّق وذاك الفَقد حين يحمَّل امرؤ ما مسؤولية (انهيار) ذاك المتعلِّق نتيجة تقصيره في البناء الشخصي أو الاحتواء العاطفي.. فيصبح كلُّ ألمٍ مزدوجاً.. وتبدأ حكاية جَلد الذات التي لا تنتهي.. بكل ما فيها من جروحٍ تكوي، وأُفولٍ يقتل، وصخبِ سكونٍ يصمُّ.. وفي هذه اللحظات التي يبلغ فيها الجَلد أَوْجَه تنهار هامةٌ لطالما انتصبت بالخير وسعت له سعيه.. حتى إذا ما عاد الرُّشد بُرْهَةً تراقص أملٌ بعيد.. أن خفِّفْ عن نفسك، ولملِمْ روحك المتناثرة لتستطيع أن تساعد.. فلا تُذهِب نفسَك على نفسِك حسَرات، بل أتْبِع الجَلد استغفاراً لتمحوَ آثار خطوات كانت هي الأصلح في وقتها!
إنها الحياة.. سلسلةٌ من النكَبَات.. ألا يكفي أن يصِفَها ربي الأعلى سبحانه بدار الابتلاء؟! فلو نظرنا إليها كما هي بوجهها الحقيقي من دون أقنعة تخفي النكبات وتستر الأشواك؛ ألا تصبح واضحة المعالِم بكل ما فيها؟! لو رآها الشباب بعيون العجوز الذي خطّت على جبينه أخاديد الأسى فلم يَعُدْ يُغريه بريقُها؛ ألا يتوقف عن اللهث وراءها؟!
تتوقف عقارب الساعة عند المُصاب.. وتنتفض كل جَنَبات الفؤاد.. ويُعَشِّشُ الحزن، ويضرب جذوره في عُمْق القلب.. لتمتد فروعه يَمْنة ويَسْرة فتُحكِم الخناق.. ولا يُرى بعدها من شيءٍ إلا تباريح الزمن!
وشوشة أنثرهــا عنــد كـــل مطـبّ: لا يتعلقــنّ قلبــك فوق الحَدٍّ بإنسان.. أو حيوان.. أو شيء.. وتجعله عوضاً لآخر.. فكل ذلك زائل.. ووجِّه (كُلَّك) إلى ربٍّ رحيم.. كريم.. لا يغيب.. ولا يرحل! فإن استوى العقل وثبت القلب؛ فهل يكون بغير هذا المعبود تعلّق؟! لا وربّي! وكم تحلو حينها الحياة مع كلِّ ألَمٍ.. حين يكون الصبر الرفيق.. والرضا الطريق.. والآخرة الحصاد.. بفضله وكرمه سبحانه!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة