كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
خرج ولم يعد...
"الفُضول والثقة الزائدة بالنفس هما السبب بما وصلتُ إليه".
هذا ما قالته لي وهي تمسح عن وجهها دموعاً تقول: إنها قد ألِفَتْها على مدى شهرين تقريباً...
وعندما طلبتُ منها أن تهدأ وتقصّ عليّ القصة من أولها قالت:
كان ذلك منذ عامين، منذ آخر يوم كنت فيه (أنا)، ببسمة وجهي وتفاؤلي وإقبالي على الحياة...
وقتها وفي إحدى امتحانات الحياة تراءى لي طريق كان واضحاً جداً أنه طريق شبهات، ولكني اقتربتُ منه ثم مددتُ قدمي وأنا أخطو الخطوة الأولى فيه، وعيوني ترنو إلى بعيد، كنتُ أودّ أن أجرّب، وأنا على يقين أنني لن أسقط في الحرام، فقد استطعت خلال ربع قرن من حياتي أن أكوّن لنفسي حصيلةً علميةً ومعرفية تمنحني الحصانة ضد أي فكر يشوه عقيدتي، كما كوَّنْتُ لنفسي زاداً إيمانياً أيضاً يمنحني الحماية ضد الوقوع في الحرام، ثم إنني بدخولي هذا الطريق سأعيد السائرين فيه، سآخذ بأيديهم وأعيدهم إلى الصراط المستقيم...
تتابع كلامها فتقول: "بدأتُ بالسير، وكنت في كل خطوة أخطوها أتفاجأ بتفاصيلها فيزيد انبهاري ويزيد فضولي فأتابع السير أكثر، وأنا على يقين تام أني أملك زمام نفسي، وأن بمقدوري العودة في أيَّة لحظة شئت، كنت أقنع نفسي أنني لا أتابع السير إلا إرواءً لفضولي المعرفي، ومن المهم أن يكون بين الملتزمين أحد خَبِرَ هذا العالَمَ وتفاصيله ليستطيع نصح غيره ومساعدتهم، وخصوصاً أني بقيت على مدى ستة أشهر وأكثر أشعر أني متفرجة ولست متفاعلة أبداً وهذا ما جعلني أثق أكثر أني على صواب وأني قادرة على العودة متى شئت دون خسائر...".
سكتتْ فأكملتُ عنها وقلت:
"إذاً على مدى السنتين كانت كل خطوة تسير بكِ إلى الأخرى، وكلما قطعتِ من هذا الطريق ميلاً كنت تزدادين فضولاً، وكلما اكتسبت بعض المعرفة عن التفاصيل أبهرك مافيها ورغبت بالاستزادة أكثر... ويوماً بعد يوم وجدتِ نفسك على حافة الحرام... أليس كذلك؟"
كانت تهز رأسها موافقة على ما أقول فسألتها: هل وقعتِ؟
فقالت: لا لا لم أقع بحمد الله، لقد سمعتُ ناقوس الخطر يقرع... وخصوصاً وأنا أرى السائرين معي يسقطون في الحرام الواحد تلو الآخر، وما استطعت أن أُرجِع منهم أحداً ولا أهدي منهم أحداً.. ونظرتُ في مرآة نفسي ففزعت لقد تشوَّهتْ معالمها فلم تعد نفسي التي تعبتُ على صقلها وتربيتها في كنف الله تعالى خمساً وعشرين سنة... فعرفت أنه لا بد من الرجوع.
وهنا اختنق صوتها فأكملتُ عنها وقلت:
وكيف الرجوع وقد اعتدتِ طوال سنتين على حياة الاستكشاف والمغامرة؟ كيف الرجوع وقد صارت الشبهات هذه جزءاً من حياتك؟ كيف الرجوع وقد غرسَتْ أشواكُ الطريق مخالبَها في تلافيف روحك وخلجات نفسك!!
هزت رأسها وتابعت تقول:
صحيح تماماً... بدأتُ في البداية بالرجوع التدريجي، ولكني اكتشفتُ أن طريق الشُّبُهَات كالنار لا يمكنكَ أن تطفئ بعض لهيبها وتتركَ بعضها الآخر.. فما ستتركه سيعود ليحرقك، لذا قررتُ الانسحاب النهائي والسريع... ولكن..
فقلتُ: ولكنَّ نفسك الأمّارة بالسوء صارت تهيج وتموج وتتخبط مُنزلَةَ بكِ كل أنواع الحزن والبؤس والألم، وإذا بالفراغ الذي تركتْه الشُّبُهات في حياتك يتحول إلى «غُول» يفترس واقعك ويثير مشاعر الحنين في قلبك.
تابعتْ باهتمام تقول: صحيح ولو كنتُ أعلم يوم دفعني فضولي والاغترار بقوَّتي أنني سأصل إلى ما وصلت إليه اليوم من الألم والتخبط والضياع لما مشيت في هذا الطريق خطوة..
أنقل لكم هذا الحوار لقصة حدثت وتحدث حولنا.. قُرْبنا.. وربما تحدث معنا، عندما نرى الشُّبُهات فنستسهل الخوض فيها، ونعتقد أن الحرام منا بعيد، ناسين أو متناسين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الحلال بيِّن، وإنَّ الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمُهُنَّ كثيرٌ مِنَ الناس، فمَنِ اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعِرضه، ومَنْ وقَع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرْعَى حول الحِمَى، يُوشك أن يقعَ فيه، ألا وإن لكل مَلكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه،...» رواه البخاري.
لم تسقط المتحدثة هنا في الحرام برحمة تداركَتْها من الله وبقوة من الإيمان باقية استطاعت أن تجذب بها نفسها من حافة الحرام وتعود، ولكن يبقى الفضول وراء غيرها ممن خرج ولم يعد...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة