شِتَاؤُنا وَشِتاؤهم!
فصل الشتاء نشتاق إلى لياليه ونتظر أيامه، معانٍ جميلة تلك التي ترتبط بقدوم هذا الفصل:
الليالي الباردة...
صوت قطرات المطر...
ملابس الشتاء الجميلة...
المشروبات الساخنة...
وكوب القهوة الحلو...
كل تلك الأشياء تجعلني أعشق هذا الفصل!
لكن!!!
شتان بين وصْفنا للشتاء ووصْفِهم.
شتان بين استقبالنا له واستقبالِهم.
يصفه أبو هريرة رضي الله عنه بالغنيمة الباردة، ويقول: "الصوم في الشتاء الغنيمةُ الباردة".
فرْق كبير بين أمانينا وأمانيهم.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَرْحباً بالشتاء تتنَزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
إنهم أناس تربَّوا في مدرسة (صلى الله عليه وسلم)؛ فجعلوا حياتهم كلها لله، والفصول الأربعة مواسم للخير والبركة، وطلباً على الدوام لزيادة النفحات الرحمانية والمنح الربانية. الشتاء عندهم لقيام ليله وصيام نهاره.
قال الله تعالى في حقهم (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يِدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَرَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة: 16، 17).
وقال أيضاً: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون) (الذاريات: 17، 18).
قال الحسن رحمه الله: "نِعْمَ زمانُ المؤمن: الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه".
كم سبقَنا هؤلاء! فرحوا بالشتاء على طريقتهم، ونحن نفرح على طريقتنا.
فشتّان بين الفرحتين...
الأمر يحتاج منا إلى مراجعة أنفسنا وإلى عزم على التغيير!!!
وصدق مَن وصفهم:
عُبّادُ ليلٍ إذا جلَّ الظلامُ بهم كَم عابدٍ دمعَه في الخدِّ أجراهُ
وأُسدُ غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هَبّوا إلى الموت يستجْدُون رؤياهُ
يا ربِّ فابعث لنا مِن مِثْلهم نفراً يُشَيّدونَ لنا مَجداً أضعْناهُ
فيا أخي ويا أختي!
لماذا لا نجعل شتاءنا قريباً من شتائهم؟ وحياتنا صورة مصغرةً عن حياتهم؟! فالله الله في اغتنام الأوقات. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "اغتنم خمساً قبل خمس" وعَدّ منها: "فَراغَك قبل شُغلك، وصِحّتَك قبل سقمك".
فالليل والنهار هما رأس مالك يا ابن آدم. وهما يعملان فيك فاعمل فيهما، فما من يوم تشرق شمسه إلا وينادي: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مني فإني لا أعود إلى يوم الوعيد!
اللهم اجعل شتاءنا ربيعاً لنا ولكل المؤمنين..
اللهم آمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن