لمن الهدية؟
كتب بواسطة بقلم: منال المغربي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
782 مشاهدة
لم تصارح ندى صديقتها بما كان يَجُول في خاطرها الأيام الماضية؛ فإنّ بعض الظن إثم. ولكن ما كان يُحيِّرها هي نظرات صديقتها الساهمة في واجهات المحلاّت التي تصطبغ معظم معروضاتها باللون الأحمر.
- "تَهادَوا تحابُّوا": جميل هذا الحديث أليس كذلك؟،تعليق سهير جعل الشكوك تقفزإلى رأس ندى من جديد.
- "الحمد لله الذي عافانا...اللهم غيّر حال بنات المسلمين إلى حال ترضى عنه يا رب"، دعاء كرّرته ندى وعينها تراقب في صبيحة اليوم التالي حال بعض زميلاتها في الصف مع ما يسمى بعيد الحب... هذه تربط شعرها بشريطٍ أحمر!! وتلك تلبسَ حذاء وتحمل حقيبة بهذا اللون!!... وأخريات يستعرضن الهدايا التي اشترينها لأحبائهن!!
- صرخات ألم صامتة انبعثت من داخلها وهي تشاهد سهيراً في حصة الرياضيات تختلس النظر إلى هدية أنيقة تحتفظ بها في حقيبتها... همست ندى لنفسها والألم يعتصر جنباتها: "شكوكي كانت في محلها"!
تعمدت ندى تجنّب الحديث مع صديقتها، حتى أثناء الفرصة، حيث تعلّلت بأنها تريد مراجعة إحدى المواد؛ فلقد كانت تفكّر طوال الوقت بالكيفية التي ستواجه بها صديقتها.
- استغلت ندى فرصة خروج المعلمة من الصف وثرثرة بعض الطالبات وهمساتهن حول ما يسمّى بعيد الحب لتضع سهيراً أمام مرآة الحقيقة: "أنتِ تعرفين أصل هذه المناسبات وفصلها، لا حاجة لتذكيرك أليس كذلك؟".
- ما إنْ تلفظت ندى بهذه العبارة حتى أصبح وجه سهير بلون القلب الأحمر الكبير الذي كان يتربّعالبارحة في واجهة إحدى المحلات،فعلّقت قائلةً: "... الحب شعور سامٍ، يكفي أنّ الله سبحانه وتعالى جعل المتحابّين في جلاله تحت ظِلّ عرشه يوم القيامة؛ فلماذا عندما تطلق هذه العبارة لا يُفهم منها إلا ما يكون بين الجنسْين؟".
- جميل جداً، بما أنّ لديكِ هذا الفَهم العميق عن الحب في إطاره الصحيح، فلايليق بنا ونحن مسلمات الانسياق وراء تلك الشعارات والدعاوى التي ليس لها أي ارتباط بعقيدتنا وثقافتنا، بل هي دخيلةٌ عليها..." وأشارت بيدها إلى الهدية.
- تفاجأت سهير، ولكن ردّة فعلها كانت هادئة وهي تُخرج الهدية من مخبئها: "صراحة لا أستطيع إخفاء مشاعري أكثر من ذلك؛ فيوماً بعد يوم تكبر مشاعر الحب في داخلي، وهذيْن اليومين بالذات ازدادتْ بشكل كبير، أتعرفين لماذا؟".
- ردّت ندى وقلبها يكتوي كمداً: "لا أعرف يا سهير... لماذا؟ أخبريني...".
- نظرة حَوَتْ معانيَ كثيرة أهدتها سهير إلى ندى: "لأنّي أدركت أنّ ما يجمعنا هو حبٌّ في الله...".
- زادت عصبية ندى وانطلق الكلام من فمها كالمدفع الرشاش: "حب في الله؟!! عزيزتي ما يحصل بين الشبّان والبنات في هذا اليوم وغيره ليس حباً في الله بل هو دليل على ضعف الانتماء للإسلام؛ فحدود العلاقة بين الشاب والفتاة حددها الإسلام ضمن إطارها الشرعي: "الزواج" ولا تَعاطي خاص بينهما إلا في حدود ما تقتضيه الضرورة من مصالح عملية مشتركة لا تتحقق إلا بتواصلهما المنضبط بضوابط الشرع المعروفة، كما أننا نحن المسلمين لا أعياد لنا سوى عيد الفطر وعيد الأضحى كما علمَنا الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، كما أنّ الاحتفال بهذه المناسبة دِلالة على الانهزام النفسي الذي أصيب به كثير من شباب المسلمين، والذي يتجلى بالانسياق وراء كل ما يُروِّجُه الآخرون لنا، ولقد حذّرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من أن نكون إمّعة. أضيفي إلى ذلك أن الاحتفال بهذا اليوم دليل على ضحالة ثقافتنا ونحن أمة اقرأ، فلو رجعنا إلى الكتب والمراجع لعلمنا أنّ هذا اليوم تكمن خلفه أساطير مستقاة من أعياد الرومان الوثنيين والنصارى، ثم إنّكِ تعرفين ماذا يُستباح تحت هذا الشعار من معاصٍ تُرتكب باسم الحب، مع أنه الأجدر بنا أن نوجّه هذه المشاعر لما فيه نفعنا ونفع ديننا ومجتمعنا...".
- أمسكت ندى بكتفي سهير تهزانهما وأضافت: "لا تجعليه يضحك عليكِ بكلامه المعسول".
- علّقت سهير باستنكار وابتسامة خفيفة تعلو شفتيها: "ومن هو الذي يجرؤ على فعل ذلك؟"
- أجابت ندى باستغراب: "من نتحدث عنه... صاحب الهدية!"
ضحكةٌ طويلةٌ صدرت من سهير، ثم قالت بصوتٍ عالٍ استرعى انتباه الطالبات: "هذه الهدية لكِ أنتِ... وقد تعمّدت إهداءكِ إياها في هذا اليوم بالذات لأوصل رسالة إلى كل زميلاتنا في الصف مفادها أنّ الأخوة في الله شكل من أشكال الحب، وهي أعظم وأسمى من أية مشاعر أخرى لأنها قائمة على الطاعة والتناصح والتواصي، وبها نصل إلى حبّ الله عز وجل؛ ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتباذلين فيّ؟" بلعت سهير ريقها وتابعت: "وانطلاقاً من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه"، أقول: إنّي أحبكِ في الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة