بين الوسيلة والغاية.. وفشل المشروعات
كتب بواسطة بقلم: لبنى شرف
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1966 مشاهدة
اللَّبس والخلط بين الوسيلة والغاية، وعدم وضوح الرُّؤية والمنهج والهدف - أمرٌ بتنا نراه بوضوح من خلال الواقع والمواقف العمليَّة الكثيرة، فترى الكثيرين جُلُّ اهتمامهم مُنصَبٌّ على أمور كأنَّها غايتهم التي يعملون لأجلها، مع أنَّها في الأساس وسائلُ لتحقيق الغاية الحقيقية التي من أجلها خُلِقْنا، والتي ينبغي أن يعمل لها كلُّ مسلم، وألا تغيب عن باله.
هذا الخلطُ للأسف شوَّه وأفشل كثيرًا من الأعمال والمشروعات الفردية والجماعية، فالواحدُ منا قد يغفل أو ينسى أو يلتبس عليه الأمر، فيحتاجُ إلى تذكيرٍ وتوضيحٍ من أهل العلم والتُّقى والصلاح، فيرجع ويستقيم على المنهج، وتستنير في عقله الأفكارُ التي تستحثه وتدفعُه نحو الهدف؛ لتُوصِّله إلى الغاية، ولكن المشكلة في أنْ يَمضي ويُصر على خطئه، كتلك التي تريد أنْ يُلقي زوجُها المحاضراتِ في أحد المراكز، ولكنَّه يُستبعَد؛ لوجود مَن هو أكفأ منه علمًا وأسلوبًا، فتخرج عن الجادة، وتتهم مَنِ استبعده بأنه يعمل لأهوائه الشخصية، وعندما تُذكَّر بأن تُصفِّي نيتها لله، وتعمل للمصلحة العامة لا لزوجها، تثور ثائرتها وتقول: إنَّ نيتها لله، وإن الله هو أعلم بالنوايا.
لاحظوا ازدواجيةَ المعايير عند هذه المرأة التي اتَّهمت غيرَها في نيته بأنه يعمل لأهوائه الشخصية، ولم تقبل أنْ يتهمَها أحد في نيتها، ولكن كما قال د. مصطفى السباعي - يرحمه الله -: "لا تَعِظْ مغلوبًا على هواه حتى يعودَ إليه بعضُ عقله".
أعود فأقول: طبعًا الله أعلم بالنوايا، بل إنَّه - سبحانه - أعلم بنوايانا من أنفسنا، ونحن لا ينبغي أنْ نتهم الناسَ أو نَحكم على نواياهم، بل لنا الظاهر، وظاهر تصرُّف هذه المرأة هو الذي يتحدث عن نفسه، ويُشير صراحةً إلى أنَّها تعمل لزوجها؛ أي: تعمل لشخص لا لمنهج وفكرة، وإلا فلن يضيرَها أن يقع الاختيار على زوجها أو على غيره، طالما أنه يَصُبُّ في المصلحة العامة، فزوجها وسيلةٌ يُمكن أن تتحقَّق الغاية به أو بغيره وَفْق المعايير المطروحة، والحكمة والعقل يقولان: إنَّ صاحبَ الكفاءة هو الذي ينبغي أنْ يقع عليه الاختيار؛ رعايةً للمصلحة العامة.
استطرادًا في الحديث عن موضوع الزواج، من النِّساء مَن تنظر إلى زوجها كأنه شيء تتملكه، أو تجدها تركِّز على شخصه كأنَّه في حدِّ ذاته هو غايتها في الوجود، والأصلُ أنَّ الزواج وسيلةٌ تتفرع منه أو تندرج تحته وسائلُ عِدَّة يُمكن من خلالها الوصولُ إلى الغاية الأصيلة في النِّهاية.
لذا؛ فعلى الزَّوجة أن تفكر كيف يُمكنها من خلال زوجها أنْ تقتربَ من الله، وتُحقق الغاية المبتغاة؟ ولذا كان لزامًا عليها أنْ تعرفَ ابتداءً كيف ومَن تَختار؟ وكذلك الكلام في حق الزوج.
لقد كان من فقه الصَّحابة - رضي الله عنهم - ومن شِدَّة وضوح الغاية أمام أعينهم أنَّهم كانوا إذا تأيَّم أحدهم - رجلاً كان أم امرأة - بموتٍ أو طلاق، يسارعون في تزويجه وتزويجها.
هم ما كانوا يتعلَّقون بالماديَّات ولا بالأشخاص، وإنَّما كانوا يعملون لعقيدةٍ تأصَّلت في وِجْدانِهم، انبثقت عنها رُؤية استنارت في عقولهم وأمام أعيُنهم، صاغت المفاهيم لديهم، وهذا الاهتمامُ بتزويج الأَيِّم يدل على أنَّ مفهوم الزواج عندهم يَختلف عما هو عندنا اليوم، الزَّواج عندنا أصبح كأنَّه هو الغاية في حدِّ ذاته؛ لذا نرى هذه التعقيدات، وهذه العوائق في طريق الزَّواج.
وإذا طُلِّقت امرأةٌ قال الناس فيها الأقاويلَ المنكرة؛ لتزهيدِ الخُطَّاب فيها، أو إذا مات الزوجُ رَفَضَت زوجتُه الزواج بعده؛ ظنًّا منها أنَّ هذا من الوفاء له، مع أن هذا لا يقدح في الوفاء، ولا في صدق المحبة، ولا في حُسن العهد لزوجها، فحبيبنا وقدوتنا - عليه الصَّلاة والسلام - تزوَّج بعد وفاة أُمِّنا خديجة - رضي الله عنها - وكان يكرم رفيقاتِها، ويقول: ((إنَّ حُسْنَ العهد من الإيمان))، فهذا لا يقدح في حسن العهد.
والزَّوجُ الصالح خيرُ أنيس وخير معين بعد الله في الطريق، وهذه أم سلمة - رضي الله عنها - تقول: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما من عبدٍ تُصيبه مُصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مُصيبتي، واخْلُف لي خيرًا منها، إلاَّ أَجَره الله في مُصيبته، وأَخْلَف له خيرًا منها))، قالت: فلما تُوفي أبو سلمة، قلت: مَنْ خيرٌ من أبي سلمة صاحبِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ ثم عزم الله لي، فقُلتها، قالت: فتزوَّجْت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
المفاهيم عندنا اختلفت بغيابِ الغاية وأصالة المنهج، وباستيراد أفكارٍ من عالم غريب عنَّا، ليس لديه أصالةٌ لا في المنهج ولا في الأفكار، فوافقت عقولاً لديها القابليَّة لتقبُّلها، والعيش بها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن