القراصنة يقطعون «المتوسط» لأن الإمبراطورية تحميهم
كتب بواسطة عبد الرحمن فرحانة – صحيفة السبيل
التاريخ:
فى : المقالات العامة
611 مشاهدة
ما جرى في عرض البحر المتوسط تجاه أسطول الحرية من قبل زعران «إسرائيل» قرصنة بحرية فاضحة بكل ما تعني الكلمة من معنى، فالهجوم الصهيوني البحري على القافلة الإنسانية جرى على مدنيين عزل؛ جاؤوا لفك الحصار الظالم وغير القانوني عن مليون ونصف مليون إنسان محاصرين منذ قرابة أربعة أعوام، تحت سمع العالم المتحضر وبصره، فقط لمجرد أنهم انتخبوا ممثليهم وحكومتهم خارج المقاس الأميركي.
إنها قافلة بحرية إغاثية إنسانية متجهة لإغاثة منكوبين محاصرين، تهاجم في عرض البحر، وفي المياه الدولية، والعالم الحر يصمت صمت القبور الدارسة، بينما العالم العربي يخرس كالظلمة التي تحيط بمجرات الكون. أما الضميران العربي والدولي فمتجمدان في ثلج قطبي وراء الزمان والمكان خارج كوكبنا الأرضي، وفي حالة لا يفقهها علم السياسة ولا قيم الإنسانية.
الصورة الوحشية لقراصنة البحر الصهاينة في عرض المتوسط، أكبر من قرصنة بحرية، وأفدح من جريمة دولية، وأعتى وحشية من حياة الغاب.. إنها الصورة الحقيقية للقتلة ولممارسات البلطجة في «واحة الديمقراطية» في الشرق الأوسط.
فأي دولة في العالم تجرؤ على أن تقطع طريق المياه الدولية وتهاجم سفناً مدنية إغاثية في عرض البحر؟
وأي دولة يمكنها أن تعتدي على رعايا أكثر من خمسين دولة مجتمعين في قافلة بحرية واحدة؟
وأي دولة تتجرؤ على القانون الدولي بمثل هذه الصفاقة والرعونة؟
وأي جيش يعتدي على سفن مدنية في المياه الدولية، فيقتل بعضا من ركابها بوحشية بالغة، ويقتاد الآخرين إلى موانئه، ومن ثم إلى سجونه؟
إنها «إسرائيل»؟!
إنها ربيبة الإمبريالية العالمية المدللة التي تدوس القانون الدولي ببساطير جنودها غير عابئة بأحد..!
إنها مدللة الإمبراطور الأميركي التي تعبث في ولاياته الشرقية دون رادع أو وازع ..!
هي الحقيقة السافرة مثل وجه الشمس: إنها هراوة الإمبراطور الخفية والعلنية..! واليوم تبدو علنية بوجهها السافر، وبكل وقاحة وعنجهية، فليرض من قبل بالمهانة والرضى، ومن أبى فليشرب من مياه المتوسط الممتزجة بدماء ركاب أسطول الحرية.
ولكن، لماذا تفعل «إسرائيل» كل هذا؟
إن تل أبيب تفعل ما تشاء؛ لأن الإمبراطور الأميركي يحميها بقوة السلاح وهراوة الهيمنة، لتبقى العواصم العربية صامتة مدثرة بثياب الحكمة السياسية. وصدقوني لو أن أعرابياً من القرن الهجري الثاني أفاق خلسة من الموت، ورأى ما نرى، لتبرأ من العرب والعروبة، وطلب الجنسية التركية؛ لأن أحفاد السلطان عبد الحميد في اسطنبول، وبعيداً عن الحكمة السياسية العربية، يحاصرون السفارة «الإسرائيلية» غضباً لما يجري على ذات سطح البحر الذي وقعت عليه معركة ذات الصواري الماجدة؛ يوم كان المجد يركب صهوات خيولنا ومراكبنا.
«إسرائيل» تركب رأسها اليوم؛ لأنها فقدت عقلها السياسي، وهي تتصرف اليوم على حقيقتها بذهنيتها التلمودية التي لا ترى قيمة إلا للجنس اليهودي، أما الأغيار؛ فلا بأس إن قتلوا على سطح البحر، أو فوق اليابسة. فمحرقتهم «المقدسة» -هولوكوستهم- خالدة؛ لأن العنصر اليهودي فوق البشر محرمٌ أن يمس بأي سوء، أما الأغيار إذا ما قتلوا حتى ولو بأيدي اليهود فهم مجرد أرقام صماء، وليسوا سوى جثث تلتهمهم ظلمات القبور.
«إسرائيل» تغرق أسطول الحرية بالدماء في عرض البحر، وتفعل ما تشاء بمن تشاء في منطقتنا؛ لأن السلام خيارنا الاستراتيجي، وحرام علينا دخان البارود. فبعضنا يخاف منها ومن إمبراطورها في واشنطن، والبعض الآخر يتواطأ معها، من أجل عينيها الوقحتين، ومن أجل عيني القيصر في البيت الأبيض كذلك، وآخرون يعملون وكلاء لها في مقاولات أمنية على الضفة الفلسطينية.
«إسرائيل» تفعل ما تفعل؛ لأنها اقتربت من نقطة النهاية، فقبضاي الشرق الأوسط يتخبط، يضرب بلا عقل، ويهدد بفظاظة. ودولة التلمود في قبضة اليمين اليوم الذي لا يرى أبعد من طرف أنفه، يمارس الصراع بهويته وصورته الحقيقية التي يأبى عرب هذا الزمان إخفاءها والتهرب منها.
أيها السادة..
لا تحسبوا ما تفعله «إسرائيل» شراً لكم، إنما هو خير لكم، وطالما نبت الخير في تربة الشر. فقلعة الشر ورجال عصاباتها تستنهض النخوة المتخثرة في العروق، وتستنبت الغضب في الصدور، ولا بد لأوكسجين الغضب يوما من أن يبعث الحياة في قلب المارد المتمدد، فـ»إسرائيل» بغبائها تخرج المارد من غرفة الإنعاش لساحة الصراع رغم أنفه، وسيقوم هائجاً لا محالة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن