بهذا نحارب الإفك الجديد...
كتب بواسطة بقلم: سهاد عكيلة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1321 مشاهدة
والأمة تعيش اليوم حالة الاستعداد لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، ومكة تتهيأ لاستقبال ضيوف الله المقبلين ليطرحوا أنفسهم عند أعتابه تعالى، عسى أن يغفر لهم ويرحمهم ويُعيدهم سيرتهم الأولى... يستوقفنا توجيه النبي صلى الله عليه وسلمللمسلمين في حجّه:"خذوا عني مناسككم"في إشارة إلى تلك القاعدة الكبرى التي تحكم عبادة المسلم بشموليتها: الاتِّباع، لنُسقطها على واقع الأمة.
ولو بدأنا هذا الإسقاط من حيث انتهى الذين تنكّبوا درب النبيّ صلى الله عليه وسلم، الذين يدّعون حبّه وحبّ آل بيته ثم يُسيئون إليه وإلى أهل بيته الطاهر بإساءتهم إلى بعض أزواجه، وإلى من صنعهم على عينه صلى الله عليه وسلم؛ فيطعنون بذلك في عِرضه الشريف، ويطعنون في قدرته على تخريج القادة الذين فتحوا الدنيا ثم حكموها وأرسَوا فيها قواعد الحكم الرشيد فدخل الناس في دين الله أفواجاً...حسداً من عند أنفسهم، واتِّباعاً لأعداء الإسلام من المجوس واليهود والنصارى...
ونسأل: هل أتى ذلك الخبيث بجديد؟ أم هو دين القوم الذي يدينون به؟
إنها عقيدة مسطورة في كتبهم ومحفورة في قلوبهم وقد أُشربتها عقولهم فنضحوا بها في مجالسهم الخاصة والعامة وعلى الملأ.
وذلك إرثهم الثقيل وحقدهم التاريخي الدفين الذي ينبشونه مع كل صلاة ودعاء...
فما جدوى مناقشة انحرافات العقل البشري وما يتفتق عنه من أهواء وعقائد ومذاهب باطلة إذا كان لا يسمع إلا فحيح هذيانه ولا يُبصر إلا من زاوية ضيِّقة منغلقة على أصحابها؟
وكيف نصنع مع مَن رضي بأن يكون في خندق المنافقين روّاد الإفك ومروِّجيه...تلك المحنة العظيمة التي عاشتها الجماعة المسلمة والنبي صلى الله عليه وسلمبين ظهرانَيْها، ودخلت أعظم بيت...بيت النبوّة الطاهر بكل من فيه... فأدركها الله برحمته وعلّمها منهجية التعاطي مع الافتراءات والتثبت من المعلومات، وربّاها حتى ترتقي روحها فلا تهوي بالعودة لمثل ذلك أبداً... غير أن المنحرفين عادوا ويعودون، وما وعَوْا الدرس الرباني البليغ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}... {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ... {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}...{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ... {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}...
هذا نموذج من أسلوب المعالجة الإلهية القاطعة لدابر الفتنة التي كشفت السوءات وفضحت ما يعتمل في النفوس المريضة، وهي التي ميّز الله بها الخبيث من الطيِّب... ورغم ذلك فقد ادّخرها المنافقون لوقتها وأطلقوها على مرّ التاريخ الإسلامي شرراً يغذّون به الوقيعة بين المسلمين...
أجل ذلك الانحراف العقائدي الخطير ليس بجديد؛ فبُغض السيدة الطاهرة المباركة وبُغض نجوم الصحابة وفرسانِهِم لهم عنوان... فماذا عنا نحن أبناءَ وبناتِ عائشة الذين أُشرِبنا حبها وحبَّ سائر أزواجه صلى الله عليه وسلموحبَّ آل بيته وصحابته، وتَسمّى بعضُنا بأسمائهم تيمُّناً بهم؟ كيف هو اتِّباعنا للرعيل الأول وعلى رأسهم قائدهم المعظَّم صلى الله عليه وسلم؟
جدير بنا أهلَ السنة والجماعة أن لا نرتِّب أفعالنا دائماً على أقوال الآخرين وأفعالهم، فقافلتنا ينبغي أن تسير وفق منهج الكتاب والسُّنة مخلِّفة وراءها الناعقين والنابحين، وهذا لا يستقيم إلا بالاتباع. وانتسابنا للسُّنة ليس انتساباً طائفياً مذهبياً فارغاً، وإنما ينبغي أن يكون انتساب اقتداء، وما تميّز الصحابة إلا بهذا، حتى وُصفوا من شدّة اتباعهم بأنهم كانوا مصاحف تمشي على الأرض، فما يضير نساءَ المسلمين وهذا الجيلَ الناشئ من الشابات أن يكنّ "عائشات" يمشين على الأرض؟ فهذا هو الرد العملي الذي يُغني عن كثير الكلام.
ولو كانت السيدة عائشة بيننا لما أسعدها أن يكون دفاعنا عنها اكتفاءً بالخُطَب والمقالات والمحاضرات على أهميتها، وإنما يرضيها اتباعنا لرسول الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ويكفيها شرفاً وفخراً أن الله جعل براءتها الفيصل بين الكفر والإيمان:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}، فخرج من مسمى الإيمان مَن ظنّوا بأنفسهم شرّاً وخاضوا مع الخائضين ثم لم يتوبوا. وخرج أيضاً كل متّهم للسيدة المبرّأة لأنه ينكر آياتٍ من القرآن.
هذا ونعتقد بأن في الذي صدر من ذاك الخبيث خيراً: يقيناً بقوله تعالى واستبشاراً به: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ هو خير لنا من وجوه:
- لقد ذكّر هذا الجيل بمكانة السيدة عائشة، وفي هذا التذكير إن شاء الله الخير العظيم، لجهة التعرف أكثر على علمها وأدبها وأخلاقها، وللاجتهاد في اتباعها، والاعتزاز بالانتساب إليها.
- أثار غَيْرة أهل السُّنة والجماعة على أمِّهم وانتفضوا دفاعاً عنها؛ مما يؤكد على الخيرية الباقية فيهم.
- فَضَح مبغضي السيدة عائشة وسائر الصحابة، وأزال الغشاوة عن عيون كثير من المخدوعين.
فلْنتعاطَ مع الإفك المتجدد بعقلية علمية تربوية تخطط لأن يكون هذا الجيل نموذجاً للأبناء الذين تربَّوا على موائد السيدة عائشة العلمية والأدبية، فالنبي صلى الله عليه وسلمالمستَهدف الأول تعاطى مع تلك المحنة بروحٍ سامقة وقلبٍ كبير وصبرٍ جميل وعقلية منهجية رغم الجُرح العميق والألم الكبير والنفس الكسيرة التي تشكو لربها ظلم المجتمع وافتراءاته، ثم ببيان ما أُوحي إليه من ربِّه...والمسلمون قدوتهم نبيُّهم، لا ينزلقون إلى مستوى هؤلاء ولا إلى قبح ما يفعلون، وإنما يحذرون الناس من شرورهم ومن عقائدهم الفاسدة، ويبينون لهم، ويأخذون بأيدي المسلمين إلى الاتباع الكامل لنبيهم الحبيب...بهذا يعالَج الإفك المعاصر، وبه يكون الرد الماحق للطُّفيليات التي تتغذَّى على الفتن، والمزلزل لتلك الكيانات الدخيلة التي لم يؤتَ الإسلام في تاريخه المُشرق إلا من قِبلها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن