آيات بينات في معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم
تعرضت الأمّة الإسلامية ـ وما زالت ـ لأزمات عصيبة، وشدائد عديدة في الآونة الأخيرة، من الشرق والغرب، ومن الكافر والمبتدع، ومن العدو والحسود، مما جعل الكثير من المسلمين يحسب أنها وصلت إلى الهاوية، ولن تقوم لها قائمة، وصاروا ينظرون إلى قوى الشر بما تمتلكه من أسلحة فتاكة على أنه لا قبل لأحد بها، ويرون أنه من العبث مخالفتها فضلاً عن الوقوف أمامها، وما أوقعهم في هذا الوهم إلا جهلهم بحقيقة ما تمتلكه تلك القوى بالقياس إلى ملك الله الواسع الذي نعيش فيه، وعدم تفكرهم في قدرة الأسلحة التي يرهب زعماؤها العالم بها بالنسبة لقوة الله سبحانه وتعالى وبطشه وجبروته، ونسيانهم لجنود الله بجانب تذكرهم لكثرة الأعداء، وتنوع طوائفهم.
وقديما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للاضطهاد والتعذيب، وصوبت إليه سهام الأعادي من كل ناحية، وسدت أمامه كل طرق الدعوة إلى الله بمكة، فخرج مهاجراً إلى مدينة الطائف؛ لعله يجد من بينهم من ينصت لحديثه، ويستجيب لأمره، فإذا هم أكثر إعراضاً وكفراً من أهل مكة، حيث ردوا عليه رداً قبيحاً، وقال أحدهم ساخراً: هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال آخر : أما وجد الله أحداً أرسله غيرك، وقال ثالث : والله لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.
ولم يكتفوا بذلك بل قال له سادتها ناهرين إياه: اخرج من بلادنا! وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وقعدوا له صفين على طريقه، وصاروا يقذفونه بالحجارة، وجعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، حتى سال الدم من قدميه.
وعاد إلى مكة بعد هذه الرحلة المضنية، وكانت الأخبار قد سبقته إليها بما لاقاه على يد هؤلاء من إهانة، فازدادوا في تعنتهم، وعزموا على عدم إدخاله إليهم، لولا أنه استجار برجل من كبار قريش، من أصحاب القلوب الرحيمة، وهو "المطعم بن عدي" مما جعل أبا جهل يسخر منه قائلاً: هذا نبيكم يا بني عبد مناف.
واشتدت وطأتهم على أصحابه الموجودين بمكة لدرجة أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كان لا يصبر على فراقه استأذنه في الخروج إلى الحبشة؛ ليستريح من عنتهم، فأذن له، وهمّ أبو بكر بالخروج فمنعه رجل من أصحاب الزعامة في قومه ويسمى "ابن الدغنة" إذ عز عليه أن يخرج من مكة رجل مثل أبي بكر، يستفيد من خيره الصغير والكبير من أهل مكة فأجاره.
وأمام هذا الواقع المؤلم الذي لا يُرى منه بصيص نور، ويوهم كل من عايشه أن قوة المشركين لا يردعها رادع، وأن شعلة الإسلام كادت تطفأ، شاء الله أن يري نبيه صلى الله عليه وسلم حقيقة هؤلاء المعاندين وغيرهم من سائر المشركين، وحجم الأرض التي يتفاخرون بقوتهم عليها بالنسبة للكون الذي بسطه الله سبحانه وتعالى، فأرسل جبريل "الملاك" فاصطحبه إلى بيت المقدس, حيث كان يعيش كثير من الأنبياء الذين سبقوه ؛ ليذكره بحالهم، وحال الأمم السابقة معهم، ثم عرج به إلى السماء، إلى حيث لم يبلغ أحد من البشر؛ لينظر من هنالك إلى ملك الله الواسع الفسيح، وينظر إلى الأرض, ويعلم أين هي وسط مليارات النجوم التي تسبح في الفضاء، وكم تساوي هي ومن عليها بالنسبة لكون الله الواسع، وحجم الذين يصدونه عن دين الله، ويحادونه بكل ما أوتوا من قوة.
وإذا كان من صعدوا الفضاء قد رأوا الأرض كحجم الكرة الصغيرة، فأحسب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآها في معراجه أصغر من حبة الرمل، وأما من عليها فلم يبدو شيئاً على الإطلاق، تناهوا في ملك الله كحبة التراب التي تلقى في البحر المحيط، مما جعله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من تلك الرحلة المباركة يقبل على دعوته وقد ازداد ثقة على ثقته، وأيقن بتحقق وعد الله، وصار لا يعبأ بما يلقى في طريقه من عقبات.
فما أحوجنا ـ نحن المسلمين ـ الآن إلى أن نتأسى به صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، فنزداد ثقة على ثقتنا، ويقيناً على يقيننا, غير عابئين بما نلقى في طريقنا من أشواك، وأن نعرف حجم من يعادون الله فلا نهابهم أو نرهبهم، ولا نستعظم قوتهم بجوار قوة الله.
وإذا كان الله لم ينعم علينا بنعمة المعراج التي خص بها نبيه فنرى ما رأى، فإنه سبحانه وتعالى قد أتحفنا بالصلوات الخمس، والتي أحسب ـ والله أعلم بمراده ـ أنها ما فرضت في المعراج إلا لهذه الحكمة، حيث نقف أمامه ـ سبحانه وتعالى ـ خمس مرات كل يوم، نتذكر فيها عظمته, فنزداد يقيناً وثقة وعزاً، ويصغر في عيننا كل متكبر, يظن في نفسه القوة والعظمة، ويحسب أنه وحده صاحب الأمر والنهي في الأرض، ونكون كمن قيل لهم (..إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء..) [سورة آل عمران 173].
[موقع التاريخ].
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن