مفارقات بين محمد مرسي سجينًا ورئيسًا
محمد مرسي سجينًا صاحب دعوة مطارد من الدولة، محمد مرسي رئيسًا صاحب دعوة ودولة. محمد مرسي سجينًا يؤخذ من بين أحضان أهله وأحبابه ظلمًا وعدوانًا؛ ليودع في السجن ليالي وأيامًا طوالاً لا يدري متى يخرج، وتهمته الكبرى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج: 8]. محمد مرسي رئيسًا يقف على الأشهاد يُسمِع العالم كله كلمات أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "ولِّيت عليكم ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ".
محمد مرسي سجينًا يؤمر من صغار الضباط والجنود وكل من هبّ ودب فيطيع في غير معصية، ومحمد مرسي رئيسًا يأمر فيُطاع من الوزير إلى الغفير، ومن الكبير إلى الصغير.
محمد مرسي سجينًا يبيت أهله وأولاده وأحبابه يدعون على الظالمين، ويتضرعون إلى الله أن ينتقم من المفسدين وأن يفرِّج كرب المكروبين، وأن يرد محمد مرسي وإخوانه المظلومين إلى أهلهم وأولادهم وإخوانهم سالمين غانمين غير خزايا ولا مبدلين. ومحمد مرسي رئيسًا يرتعش قلبه مثل جنَاحيْ طائر أن يكون سببًا في ظلم إنسان أو طير أو حيوان أو نبات أو جماد، متأسيًا بسيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي اشتد نحيبه وعلا بكاؤه بصراخ طفل بكَّرت أمه بالفطام حتى تحظى بعطايا بيت المال، فبكى وقال: ويحك يا عمر، كم قتلت من أطفال المسلمين! وذهب ليحمل لهم من بيت المال الدقيق والزيت وغيره من الطعام، ولما سأله غلامه أن يحمل عنه، قال: وهل تحمل أوزاري يوم القيامة؟!
بل إن عمر بن الخطاب كان يشفق على نفسه يوم القيامة أن يسأله عن الدواب، فقال: "إذا زلّت دابة في العراق، فإني أخشى أن يسألني الله عنها، لمَ لم تسوِّ لها الطريق يا عمر؟!". وأمام محمد مرسي أزمات كبار وصغار منها: أن آلاف الأطفال يموتون في المجاري المفتوحة كل عام؛ بسبب الإهمال الحكومي الجسيم، و36 ألف قتلى وجرحى كل عام؛ بسبب حوادث المرور.
والفاجعة الكبرى أن هناك ملايين من المرضى والموتى بسبب المفسدين في بيع الأغذية الفاسدة بيد الأيادي السوداء التي تلتف بمخالبها على رقاب أبناء مصر لتعصر جيوبهم أموالاً، وتتسبب في قتلهم قتلاً بطيئًا أو ما يسميه العرب الموت صبرًا، وهو الذي يُقتل على مراحل تعذيبًا وتمزيقًا وتقتيلاً.
محمد مرسي سجينًا يجلس في زنزانته على البرش، ويتحرك مع عشرات من إخوانه في مساحة ضيقة لا تزيد عن عشرين مترًا مربعًا يُودَع فيها فوق الثلاثين، ولهم حمام واحد ودعاؤهم عند النوم: "باسمك اللهم أحشر جنبي وباسمك أنزعه". محمد مرسي رئيسًا -دون سعي أو طلب- يجلس الآن على الكرسي وليس على البرش في قصر مهيب، وحراسة مشددة، وأبهة كبيرة، وحجرات واسعة، وحدائق غناء، والقصر الجمهوري في حدائق القبة سوره الخارجي 4.5 كم، نرجو أن يخرج منه إلى جنة عرضها السموات والأرض.
محمد مرسي سجينًا عبادته تدبر القرآن، والذكر والدعاء، والشكر والثناء على رب العباد سبحانه والصبر الجميل على فتنة الإيذاء. ومحمد مرسي رئيسًا عبادته مع الصيام والقيام والذكر والدعاء وقراءة القرآن أن يتدبر أمر رعيته، وأن يتفكر في نهضة أمته، وأن يقرر -بالشورى- مسارات التنمية ومجالات البناء، وأساليب وقف الفساد، ومحاصرة الاستبداد، وعلاج التخلف، ومقاومة التحلل، والارتقاء بمصر محليًّا بمشروع النهضة، ودوليًّا بأن تتولى مصر مكانها القيادي في الأمة العربية والإسلامية، بعد سنين طويلة من التأزيم الداخلي والتقزيم الخارجي الذي أصاب مصر على يد النظام البائد، وتم خلعه بدماء الشهداء وصمود الأحرار في ميادين التحرير بمصر كلها.
محمد مرسي سجينًا أعده الله في السجن كما أعد يوسف عليه السلام عندما أدخل السجن؛ لأنه استعصم بالله واستمسك بالفضيلة وأبى أن يلبي فتنة الإغواء من امرأة العزيز ونساء القصر، كما قال سبحانه: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33]. ومحمد مرسي رئيسًا من أكثر الناس إحساسًا بآلام المظلومين، وصرخات المنكوبين، ودعوات المقهورين، وأنَّات الموتورين؛ فدعوات المظلوم ترفع إلى سبع سموات ولو كانت من غير مسلم، وقد قال تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) [طه: 111]. وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين».
محمد مرسي سجينًا مسئول أمام الله عن زوجته وأولاده، ولا توجد عنده أدنى صلاحية أن يقوم بواجبه لإصلاح بلده وأمته. ومحمد مرسي رئيسًا مسئول أمام الله عن الأرملة والمطلقة، والمتزوجة والعانس، والمتعلم والجاهل، والوزير والغفير، والكبير والصغير، وقد رُئِي عمر بن عبد العزيز ينتحب من البكاء، وينتفض من الخوف، فقيل له: ارفق بنفسك. فقال: "إني تذكرت الأكباد الجائعة، والأجساد العارية، والأرملة والمسكين، والجند في البلاد، والدواب في كل وادٍ، فبكيت إشفاقًا على نفسي من سؤال الله يوم القيامة"..
فكيف بمحمد مرسي رئيسًا وهو مسئول اليوم عن المسلمين والمسيحيين، والعاملين والعاطلين، والصالحين والطالحين، والظالمين والمظلومين، والأغنياء والمساكين، والحاضرين والمفقودين، والشهداء والجرحى، والعاملين والمقيمين بمصر وخارجها؟!
محمد مرسي سجينًا لم يكن مسئولاً عن حماية زنزانته حيث يوجد زبانية يحرسونها أن يتسرب منها أحد، لكن محمد مرسي رئيسًا مسئول عن ثغور مصر المترامية الأطراف في مساحة شاسعة من البحار والأنهار والسهول والوديان، والجبال والتلال، والمزارع والشوارع، والصحاري والقفار. خاصة أن جوارنا عدوًّا مغتصبًا قال الله فيه: (لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118].
محمد مرسي سجينًا أقرب إلى الله بصبره وجلده؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
وقال الشاعر:
وتجلدي للشامتين أريهم أني *** لريب الدهر لا أتضعضع
ومحمد مرسي رئيسًا أقرب إلى الله إذا وَفَى مع شعبه وأمته وعالمه، وينتظره "ظل الله" إن وفى بالعدل والفضل، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم بسندهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل،...".
لك الله يا محمد مرسي سجينًا ورئيسًا، ولك في يوسف عليه السلام نِعم القدوة والأسوة؛ حيث قدّم الإحسان لإخوانه الذين وضعوه في غيابات الجب، واتهموه بهتانًا بالسرقة، كما قدم الإحسان إلى بلده التي سجنته، فتقدّم لينقذ مصر من كارثة كبرى، لكنه احتوى الجميع إخوته وبلده في كلمات رائعة أرجو أن يضعها فخامة الرئيس محمد مرسي نصب عينيه، كما قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 100، 101].
لك الله يا محمد مرسي سجينًا ورئيسًا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة