أدب الثورة والثوار
و جزء من نظرية التغيير: تربية الثوار على "أدب الخلاف"، لأن الثورة جامعة، فيها عدة جماعات إسلامية، وأحزاب علمانية، وشلل شبابية، وأفراد لهم مبادرة ذاتية، فمن المنتظر أن تتعدد الاجتهادات ووجهات النظر، ويكون من اللائق ضبط ذلك بأخلاقيات عالية تبرأ من الاتهامات والتخوين والألفاظ النابية، وتميل الى العفاف وحُسن التأويل والتماس العذر، والصبر على الانصات لمن يشرح مسوغًا موقفه، واحترام الكبير والفقيه والمفكر، وتوقير أهل السابقة من المخضرمين والقدماء والرعيل الأول، ومَن كان مسجوناً بخاصة وناله ظلم الطغاة.
كان إعلام الطغاة يقوم على توزيع الاتهامات وبذر الشكوك والتنابز في الألقاب والسخرية من كل ناصح وواعظ، فانتقلت هذه الطباع الى الجيل الذي صنع الثورات من حيث لا يشعر، ثم أخذت وسلبت مواقع الانترنت والفيس بوك كل وقت هذا الجيل فهبط حجم وقت لبثه في المساجد وتلاوته للقرآن، فدبّت لغة الاتهام دبيباً، وحصلت قسوة في القلوب، وزين الشيطان الغيبة، وصار تحدي الأساتذة وكبار السن مستساغاً، وكل ذلك خطأ، وعلى جيل شباب الثورات أن يرجع إلى الاستغفار، ويسوم ثمنه بإنصاف، ويعترف بالرواد الذين أيقظوه، ويوسع صدره عند الاختلاف، فان التجربة عند الاساتذة والشيوخ أوفر، ومن الغرور القبيح أن يتعالى شاب على مخضرم لمجرد أنه نجح في النزول إلى الساحة قبله بيومين، من دون أن يجد في وعثاء سفر طويل قطعه المخضرم عذراً له، وأخلاق التواضع يجب أن تسود ولم تلغها الانتصارات.
والكِبْر: غمط الحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاحتكار من جيل الشباب لتقدير الموقف هو من فروع غمط الحق، أي حق القادة والرعيل القديم في نقد الأداء ووعظ الثوار بالتأني والعدل في الحكم والحذر من الوقوع في مثل أخطاء الطغاة، والظلم يذهب بالبركة الربانية التي تتولى التيسير، وحظوظ النفس وترداد: أنا، " فأنا ": توشك أن تنقض ما أبرمته الهمم الثورية، وأشنع الظلم: الكذب في الرواية عن عمد، وتزوير الحقائق، ولم يدمر الطغاة غير افترائهم على الدعاة إلى الله، فإن الله يغضب إذا لحق بأوليائه الأذى، والمؤمن له في التاريخ موعظة.
أما العلماني فيشهد الزور أحياناً إذا نسي أن الله تعالى يراقب الخلائق ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وبقيت من التربية الشيوعية بقايا بعد زوالها: أهمها هذا النمط الذي يضيق ذرعًا بوجود الإسلاميين، فيكون الكذب عليهم والاستهزاء والغمز واللمز، وتلك أخلاقيات هابطة لم تتعودها أمة الإسلام، وتؤدي إلى انحراف الثوار المتعاطين لها، وكل الفلاسفة والحضاريين يزدرون هذه الأساليب وليس رجال الإسلام فقط، وخير للملحد العربي من ذلك أن يكون شجاعًا ورجلاً وصادقاً ويترك الالتفاف والكذب والكيد ويواجه المنافسين بصراحة واستقامة، ومن العسير أن نقنعه بأن الله جبار منتقم لا يحب الجهر بالسوء، لأنه لا يؤمن بالله أصلاً أو يؤمن ولا يفقه من إيمانه شيئاً كثيرًا، ولكن عليه أن يعلم أن الصدق فضيلة عند كل الأمم وما حاد أحد عنه فنجح في مسعاه، بل أخبار التاريخ كلها تؤكد فشل الكاذب في النهاية والمزور والغشاش.
وربما كان هناك ألف فلم سينمائي يصور هذا النمط المتكرر، وألف قصة مطبوعة، ومائة الف بيت شعر، فوا أسفاه أن تبقى بقية عربية تدين حتى الآن بدين الكذب والتدليس وتخالف السلوك المدني الحضاري وتنكر دَور الإسلاميين في الثورات والتمهيد لها والصبر على أذى السجون والحرمان والإقصاء.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير