إلى متى يشارك حكام إيران في هولوكوست الأسد؟
إن جميع من سمع وقرأ التصريحات الأخيرة لحكام إيران حول القضية السورية يدرك مدى الخطورة التي لا تعير الإنسانية اهتماماً فضلاً عن التمسح باسم الإسلام لصون حقوق الإنسان والحفاظ على سلامة الشعب السوري الذي يذبح كل يوم، وبدلاً من أن يقفوا مع المظلوم ضد الظالم فإنهم لا ينظرون وللأسف الشديد إلاّ بعين السخط وطبعاً فإن عين السخط هي التي تبدي المساوئ ولذلك يصبون اليوم - إذ وجدوا طاغية الشام يفقد السيطرة على البلاد شيئاً فشيئاً – كل جهودهم لإيجاد مخرج يبقيه في الحكم وينقذه حتى لو كان ذلك بخوض حرب فعلية ضد الشعب والثوار ليبقى على سدة الحكم وهم يعتبرون في هذا السياق أن دعم النظام على جميع المستويات يجعلهم لا يخسرون نفوذهم في سوريا وأن تكلفة الدفاع عن الطاغية تبقى على فداحتها أقل من ثمن ضياع الحلقة السورية في عقدها الذي أسس وكلف المليارات من طريق إيران حتى العراق، سوريا، لبنان كما هو معروف، ولعل من الواضح أن من يدير الأمور حقيقة في سوريا إنما هي إيران ولذلك رأينا أن الأخضر الإبراهيمي المندوب الأممي للمسألة السورية بعد كوفي عنان حين ذهب إلى دمشق لمقابلة بشار بدأ اللقاء بالسفير الإيراني قبل أن يلقاه، إذ أدرك كمن قبله أن إيران وسوريا متفقتان لحمة وسدى كحليفين بل كشريكين بسبب البعد الطائفي أولاً وبعد المصالح الأخرى ثانياً.
وغالباً ما يكون اللصوص شركاء ونحن إذا أعدنا شريط المشهد في الموقف الإيراني فإننا لا ننسى أنه كان في البداية يريد رأب الصدع بين الحكومة والشعب دون إراقة الدماء، ولعل ذلك يظهر في مقابلة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مع تلفزيون المنار التابع لحزب الله اللبناني بتاريخ 24/8/2011 حيث قال: "على الشعب السوري والحكومة أن يجلسا معاً للتفاهم بعيداً عن العنف وإنه لايحق لأحدهما قتل الآخر"، لقد جاء هذا التصريح بعد خمسة أشهر من بداية الثورة وكانت أثناءها في حيز السلمية الكاملة ولن يستطيع أحد أن يثبت أن متظاهراً واحداً حمل سلاحاً بل عصى اللهم إلاّ بعد أن استفحل الخطب وأصبح الشيوخ والأطفال والنساء يقتلون ويعتدى على الممتلكات فبدأت عسكرة الثورة بالدفاع عن النفس المشروع في قوانين السماء والأرض ضد الظالمين.
وفي هذا الغضون كان وزير الخارجية الإيراني قد اتفق مع تصريح نجاد بعد مقابلة تلفزيون المنار واصفاً مطالب المتظاهرين السوريين بالمحقة المشروعة مطالباً الأسد بالاستجابة لها وتلبيتها على وجه السرعة ولكن لأن الأمر أكبر من صالحي وأترابه ولأن الغرب وعلى رأسه أميركا يسعى لحل الأزمة بتعقيدها فإنه أدرك أنه لابد من إدخال إيران في المعالجة لإنقاذ النظام من جهة إن استطاعت ولطمأنة إسرائيل البنت المدللة إذ إن ثمة توافقاً ضمنياً بين إيران وإسرائيل على إبقاء النظام الأسدي وإن لدوافع متضاربة ولذلك رأينا نتنياهو مؤخراً ينهى حكومته عن التصريح في الشأن السوري وهو الذي أكد من قبل أن المحافظة على بشار مصلحة إسرائيلية، فالتقاطع الإيراني "الإسرائيلي" كما يذهب المحللون واقع وبأعذار وحجج كثيرة، ولذا فإننا رأينا أن صالحي لما عاد إلى دمشق من لقاء الرباعية في القاهرة أعطى الأسد دفعة قوة جديدة ليعلن أن مايجري في سورية يستهدف دول المقاومة جميعاً، وهو في الحقيقة إنما أخذ الضوء الأخضر لأن يتحرك حكام إيران بحرية لإخماد الثورة السورية، وأن العالم اليوم لن يسمح – ما أمكن – بسقوط الأسد لأن ذلك سيمثل كارثة على كل دولة فضحتها الثورة السورية، ومن هنا أكد صالحي أننا لن نأذن بكسر ضلع المقاومة ناسياً ما قاله عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد أنه "لايمكن للمقاوم أن يكون مستبداً ولايمكن للمستبد أن يكون مقاوماً"، فهل تغير الموقف في هذا الوقت بالذات أم أنها تكتكة وتقية مع القريب والبعيد؟
الأرجح أن حكام إيران كانوا يظنون أنه سيقضى على الثورة خلال أسابيع كما وعدهم الأسد، ولكن لما أحسوا أن الأمر طال وسيطول رجعوا إلى ما يكنون من الحيلولة دون سقوط الأسد وكانوا قد ألمحوا بذلك قبل أشهر قليلة من أعلى رتبة فيهم وهو مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي صرح بأن المتظاهرين في سورية أدوات تحركهم أميركا و"إسرائيل" معتبراً أن الثورة السورية مؤامرة على الأسد لأنه ضمن محور الممانعة، منبهاً أن دمشق بحاجة إلى إيران وحزب الله الذي يؤيد خامنئي في كل ما يذهب إليه خضوعاً لولاية الفقيه التي أسسها الخميني بل صرح نوري المالكي رئيس وزراء العراق أن العلويين جزء من الشيعة ولن يسقط نظام الأسد ولماذا يسقط. ولسنا مضطرين لسوق الأدلة طبعا عن عمالة المالكي لأميركا وإيران معاً، ومن هنا نرى كيف يكون الكيل بمكيالين في الموقف الإيراني الذي أيّد ثورات الربيع العربي إلاّ الثورة السورية مدعياً تبعيتها لأميركا و"إسرائيل"، وهذا يدل على أن إيران لا تريد أن تكون جزءاً من الحل كما تدعي بل جزءاً كبيراً من المشكلة، ولقد كان الأجدر بها لما تحمل من ثقل إقليمي أن تنحاز إلى الضحية لا إلى الجلاد وهو ما يجب أن ينسجم مع ادعائها نصرة المظلومين، والله لا ندري هل أصبحت قلوب هؤلاء أقسى من الحجارة بل اليهود الذين وصفهم الله بهذه الصفة لم يصلوا إلى هذا الإجرام ضد الشعب وحكام إيران يفتخرون أنهم يدعمون نظام القتل والإبادة ولن يسمحوا بسقوطه، فهل نستطيع أن نفرق بين اللانظام الأسدي وموقفهم أو نقول كمن ذم شارون:
لا تلوم الجزار يقتل شعباً * * * من حباه السكين أفظع قتلاً
وهل قصروا بمده بالسلاح والرجال والمال والخبرات والمواقف السياسية؟! أما صرّح صالحي "أننا لن نقف عن الدعم اللامحدود لنظام الأسد"؟!
إننا نحسب أن كل منصف حتى لو كان حدثاً أصبح مدركاً أن الموقف الإيراني موقف منحاز للباطل والشر والأليق أن يراجع نفسه فالتاريخ لن يرحم، ثم لابد أن نسوق التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين الكبار المعبرين عن موقفهم غير المسؤول.
فها هو لاريجاني رئيس البرلمان يقول لصحيفة الفاينشال تايمز البريطانية: "إن الأميركان يسعون إلى فرض الإصلاح في سورية بقذائف الآربي جي" مقارناً "لماذا لا تعتبر أميركا عدم السماح للمرأة في السعودية بقيادة السيارة مشكلة يجب أن تأمر السعوديين بإصلاحها؟"، ما هذه السذاجة وهذا القياس ممن يدعي أنه سياسي فاهم عاقل، داعياً إلى أن "يكون التغيير عبر التصويت الشعبي والانتخاب لا عبر السلاح الفتاك الذي تمارسه المعارضة السورية المسلحة"، وأظنه يعرف تماماً أن العكس هو الصحيح ولكن كما قال القرآن عن قوم فرعون (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّا..) [النمل: 14 ] هل السلاح الفتاك والنوعي وطائرات الميغ وبراميل البارود التي ترمى على الشعب بيد الثوار أم بيد الحكومة؟ ولكنه الحقد الطائفي ليس إلا، وهو يأمر دول الخليج ألاّ تساند المعارضة السورية وأن تقف عن دعمها.
أما قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي الجعفري فقد صرّح بعظمة لسانه كما هو معروف أن عدداً من قوات فيلق القدس موجود في سوريا ولبنان لتنفيذ عمليات نشاط خارجية لدعم النظام بالخبرة والاستشارة وأنه في حالة تعرض سوريا لهجوم عسكري فإن إيران ستقوم بدورها العسكري كذلك.
فبالله على من يضحك؟ نحن نعرف أنه بدأت بذلك منذ أشهر ولكنها ستزيد لتنقذ مركب الأسد من الغرق ومعروف أن الرئيس اللبناني ميشال سليمان حين استدعى السفير الإيراني يستوضح ذلك نفى! ثم جاءت التصريحات من جديد تؤيد موقف القائد الأعلى للحرس الثوري بل النووي ويبدو أن ثمة تضارباً داخلياً في بعض المواقف لديهم إلا أن الأمر حسم بعد اتخاذ المرشد الأعلى خامنئي قراره بإخماد الثورة السورية سيما أنه الحاكم الفعلي لإيران متأسيا بموافقته على قمع المعارضة الإيرانية وبأقسى العنف والقتل في المظاهرات المؤيدة لمير حسين موسوي الذي كان ينافس أحمدي نجاد على الرئاسة.
ونعود لنقول ليت فيلق القدس يتوجه إليها لا إلى دمشق فبئس الإيرانيون يقاتلون على الأرض السورية.
زد إلى ذلك تصريح رئيس الأركان العامة اللواء حسن فيروز آبادي أن الحرب على سوريا هي الحرب على إيران مستلهماً ذلك من توجيهات المرشد الأعلى الذي دعا إلى "تركيز نشاطات فيلق القدس على دول الجوار الإيراني وسحبها اليوم من العالم..." إلى تصريحات مسؤولين كبار آخرين نضرب عن ذكرهم ولكننا مع من يقول: "ألا رئيس أركان عربي أو مسلم واحد يقول إن دماء السوريين هي دماؤنا ولا وألف لا للطائفية ونعم وألف نعم لتوجه الحق والعدل ونصرة المظلوم الذي أبدته المراجع الشيعية العاقلة مثل هاني فحص ومحمد الأمين وآية الله محمد علي دستغيب والويل كل الويل لمن يدعم النظام الأسدي بكل ما يملك سياسياً ومالياً وعسكرياً بل يتباهى في ذلك مشتركاً مع الهولوكوست الأسدي الفظيع"
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن