لأنه قال "الله أكبر"
وانفلت عناصر الفرقة الرابعة في حي ركن الدين بدمشق ليمشطوه حارةً تلو الأخرى إلى أن اقتربوا من حارة عجك وهناك تمادوا ببطشهم وقد طغى في المكان صوت الرصاص الذي أودى بأرواح عشرة شباب وجرح العديد من الناس، فعناصر الفرقة قد طوقوا المكان وأخذوا يتقدمون ويطلقون الرصاص تجاه أي مصدر لصوت “الله أكبر” أو بكاء أو استغاثة، وبعدما أمنوا أي مقاومة محتملة قد تحول بينهم وبين الناس، قاموا بخلع الأبواب وتدنيس البيوت باقتحامها، وحرصوا على تصفية أي ذكر يقاومهم أو يعاندهم، وأثناء انتقالهم من بيت إلى آخر صرخ عليهم شابٌ شجاع “الله أكبر عليكم” ثم ركض هارباً قبل أن يصيبوه برصاصهم، فأمر الضابط جنوده بإحضاره إليه مكبلاً كي يعلمه لمن الكلمة في هذا البلد… فانطلق الجنود يسعون في أثره إلى أن استدلوا على بيته فدخلوه عنوة ووجدوا الشاب وقد تحصن خلف أثاث غرفته فارتموا فوقه يتكالبون على أطرافه المستضعفة دون أن تغيثه صرخات أمه التي انهارت وهي تحاول أن تبعد الجنود عنه..
- اتركوه كرامة لله… ما لي غيره ، فمن شهر توفي والده وتركنا…
- ابتعدي وإلا قتلناك معه..
- حباً بالله وكرامة للرئيس اتركوه ، هذا وحيدي ربيته بيدي وليس له علاقة بالسياسة..
- قلت لك ابتعدي ولا تذكري الرئيس على فمك القذر..
- كرامة لله ، كرامة لأمك اتركه ما لي غيره..
فقام الجندي برفسها وأثناء ذلك كان بقية الجنود يربطون الشاب ويشبعونه ركلاً ورفساً…
- اسمك يا كلب..
- محمد *** **** .. اتركوني ما عملت شي…
ثم يصرخ على أمه وقد يأس مقاومة هؤلاء الأوغاد: أمي ابتعدي، لا تقربي…
وما إن رفسها ذلك الجندي حتى صار صراخ الشاب مدوياً في الحارة، ولكن من يتجرأ على نصرته والاقتراب من هذه الغرفة التي انقلبت زنزانة تحقيق في قبو فرع أمني…
- مين قلك إذا بتقول الله أكبر منموت نحنا؟ قول الله أكبر..
- الله أكبر..
- ما اختفينا!! ثم يضحك الجندي حتى بدا وكأنه ثمل..
- شو بدكم مني؟
- كنت هربان يا كلب؟..
- لا…
- كذاب ، شفناك وأنت تهرب ، أكيد في سلاح بالبيت…
- لا…
- بلى ، اعترف ، نحنا منعرف كل شي..
- قلك لك لا ، فتش البيت..
- شاطر تقول لا يا كلب… والله لنربي بك الحارة يا واطي يا ابن السافلة…
فطرد الجنود أمه خارج بيتها ثم ألقوها بعيداً عنهم كي يخلصوا من عويلها، وفجأة ودونما رحمة، سكبوا على محمد مادة مشتعلة وقد رموا فوق ظهره ولاعة مشتعلة، فراح يولول ويتلوى محاولاً أن يفرك جسده المهشم بالأرض ليتخلص من النار التي عذابها أشد من بساطير الجنود، ولكن من أين أن ينجو وجسده مكسر ويديه مقيدتين؟…
النار تأكل محمداً وصراخه يدمي أهالي الحارة كلهم بسبب عجزهم على نصرته أمام تهديدات الجنود، وسرعان ما التهمت النيران البيت كاملاً وتركته جثة متفحمة ومتفسخة ورائحة المكان كله شواء، ووحده فم محمد ما زال واضح المعالم وهو مفتوح وكأنما محمد يستصرخ على أي شجاع يقدر على تخليصه من هذا الجحيم…
وبعد أن انقلب البيت فحماً ورماداً بمن فيه، اقتربت أم محمد من البيت على هدوء وفكها الأسفل يرتجف من بكائها المكبوت وأصابعها تتحسس حيطان البيت وقد اسودت وهي تهذي باسم ابنها، نظرت إلى جثة ابنها المتفحمة وقد تهدل جفناها وانسكبت الدموع من مقلتيها ثم انفجرت تبكي مستجديةً الخلاص…
وما إن خرج الجنود حتى اندفع الأهالي ليروا ماذا خلفت النيران وما حصل بالشاب الصريخ، ولكن لسان حالهم الصمت والبكاء، فتجرأ أحدهم على الكلام ليدعو الناس إلى دفنه رحمة بأمه: إكرام الميت دفنه…
وتم حفر القبر على عجل ثم أودع به الشهيد وعيون الأمن تراقب من كان حاضراً وقد حرصوا على حضور عدد قليل جداً من الناس عند دفنه وذلك منعاً من خروج مظاهرة تناصر الشهيد…
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن