نحو معلمين ربانيين
لماذا المُعلِّم والمُعلِّمة؟!
1- لأنه / لأنها... القدوة للتلاميذ لمدة طويلةٍ من اليوم ليست بالقصيرة، فإذا كان صالِحًا، فإن ذلك من شأنه أن يُسْهِم في صلاح طلابه والأخذ بأيديهم نحو معاني الفضيلة.
2- لأنَّه / لأنَّها... يجب أن يحظى باهتمام شديد من مسؤوليهم وموجهيهم في المتابعة والإشراف وجمال التوجيه وأدبيات التواصُل.
3- لأنَّ نصائحَهم وإرشاداتهم لطلابهم قد تؤثِّر أكثر مما هو الحال مع أولياء الأمور في البيوت.
4- لأن المؤسسة التعليمية هي من أهم مؤسسات المجتمع، فيها تتربى الأجيال، وتُكتشف المواهب، وتُفرز الطاقات، وتنهض العلوم.
5- لأن مكانة المعلم / المعلمة في الإسلام مكانة عظيمة، نلمسها في قول الشاعر:
قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلا
كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولاَ
|
6- لأن نظافة لسان المعلم / المعلمة... سيتبعها نظافة في ألسنة طلابهم المتعلمين على أيديهم، والعكس بالعكس.
7- لأنَّ المعلم / المعلمة... ذو دور مؤثر خطير، فهو إما أن يكون سببًا في تفجير طاقات طلابه، وارتقائهم سُلَّم التميُّز في العلم، أو يكون سببًا في تحقيق الإحباط والانهزاميَّة في نُفُوسِهم، وهناك من الشواهد الكثير على ذلك التي تنتشر هنا وهناك في أرجاء الدُّنيا.
8- لأنَّ الإسلامَ دين يَهتمُّ بالعلم والتعليم، فأول ما نزل من القرآن قوله - عزَّ وجلَّ -: اقرأ.
9- لأنَّ أيَّ أمة لا يُمكن أن تنهض بالجهل والتخلُّف، فتكنلوجيا العلم والتعليم مُضافةً إليها منظومة القيم الأخلاقية هما دعَامَتَان أساسيَّتان لنهضة الأمم ورُقيها، ومتانة بنائها وتحقيق ريادتها.
لهذا كله وغيره... نُوجِّه رسالَتَنا موجزةً، ومُعطَّرة بكل حب وتقدير، وفي همسات أخوية لطيفة إلى هذه الفئة المُهِمَّة والعظيمة من فئات المجتمع "المُعلِّمين".
أخانا المُعلِّم، أختنا المُعلِّمة:
1- اجعل / اجعلي... عملَك طاعة لله، أخْلِصِ النِّيَّةَ له، وجَدِّدْها دائمًا، تؤجر الخير الكثير من الله قبل التقييم الممتاز من مُديريكَ ومُوجهي مادتك.
2- انتبه / انتبهي... لكل حركة وسكنة تؤديها داخل قاعة الدراسة، فهي محسوبة إما لك أو عليك أمام طلابك، فكن منضبطًا رَزينًا.
3- استمسك / استمسكي... بالأخلاق الحميدة، وتذكَّر دائمًا أنك صاحبُ عمل عظيم ورسالة مُهِمَّة، ألاَ وهي تلقينُ التربية لطلابك قبل التعليم والدراسة.
4- لا تكن / لا تكوني... قاسيًا على الدوام مع طلابك، فخيرُ الأمور الوسط، وما وُضِعَ الرِّفْقُ في شيء إلا زانه، وما نُزِعَ من شيء إلا شانه، وَزِنِ الأمورَ بميزانِها الصحيح، تَسْلَمْ وتَسْعَد، ويسلم طلابك ويسعدون.
5- لا تظلم / لا تظلمي...
لا تعاقبْ كلَّ الطلاب؛ بسبب تصرُّف غير لائق من بعضهم، فكلٌّ يُحاسب على ما فعل، وليس على ما فعلوا، وتذكَّر أنَّ كلاًّ منا سيُحَاسَب يومَ القيامة وحْدَه على عمله، وليس على عمل الآخرين، ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الإسراء: 13-15].
6- احرص / احرصي... أن تستفتح يومَك بأذكار الصباح ووِرْدِك القرآني قبل ذهابك إلى مدرستك، ففي ذلك البركة والحصن والأمان والعون، يُذَلِّلُ لك الله كُلَّ صعوبات التعامل مع طلابك، فيرتاحون لك وترتاح لهم، ويسعدون بك وتسعد بهم.
7- ضع / ضعي نُصب عينك أن تكون أفضلَ مُعلِّم، تَمَيَّزْ في تحضير الدرس قبله، وأَلْمِمْ بكل جوانبه ولا تهمل، وقَدِّم من نفسك القدوةَ لزملائك المعلِّمين.
8- أحسن / أحسني... إلى اليتامى من الطلاب، واكسب الأجر في ذلك، واستشعر أهميةَ المسح على رؤوسهم وبركتَه، أشعرهم أنك لهم (أبٌ / أمٌّ) قبل أن تكون / تكوني معلمًا أو معلمة.
9- لا تُفَرِّط / لا تُفَرِّطي... في زينتك أمام طلابك، توسَّط في ذلك واعتدل، فالمجال للعلم، وليس سِباقًا لاستعراض الأزياء، فقد يكون من طلابك من لا يجد ما يشتري به لباسًا يستره، أو حذاءً ينتعله، أو ما يصنع به نظارة طبية تُعينه على المذاكرة وتحصيل العلم.
وهذا لا يعني إهمالَ هندامك، أو ظهورك بمظهر الزُّهد والتقشُّف وترقيع الملابس، ولكننا قَصَدْنا الوسطيَّة والاعتدال، وليس الاستعراض والابتذال.
10- لا تركِّز / لا تُركِّزي... في قاعة الدراسة على مجموعة من الطلاب دون الأخرى، وأَشْعِرْ كل طلابك بأنك لكُلِّهم، ولست لبعضهم، فلا محاباة لجار، ولا خاطِرَ لقريب، وإنما كلهم سواسية لهم حق الاهتمام منك.
11- اعلم / اعلمي... أنه من الطبيعي أن يكون من بين طلابك من هو ضعيف الفهم، وبطيء الاستيعاب، وهؤلاء ارفُق بهم، وكن لهم عونًا على حسن الفهم، واحتسب الأجر عند ربك، واصبر فأنت مُربٍّ للأجيال، والمربي لا بد أن يكون صابرًا محتسبًا طويل البال واسعَ الصَّدْر.
12- تمهَّل قليلاً إذا أهمل أحدُ طلابك في أداء واجباته، فابحث / ابحثي عن السبب أولاً، فقد تكون مشاجرات قد حدثت بين الوالدين أتعبته نفسيًّا، وشرَّدته ذهنيًّا، فحالت دون أدائه لواجباته، وقد تكون ظروفٌ طارئة قد ألمت به، وقد يكون... وقد يكون، فتبيَّن / تبيَّني قبل أن تُعاقب، وكن / كوني معلمًا رحيمًا رؤوفًا حنونًا.
13- اكتشف / اكتَشفي... المواهب وأصحاب القدرات العالية من بين الطلاب، وكن / كوني لهم مُعينًا على الابتكار وتنمية الموهِبة، وكن سببًا في ذلك، يكن لك الأجر الكبير، والإسهام العظيم في بناء حياتهم المستقبلية، وكن على ثقة أنهم لن ينسوك من صالح دعائهم.
14- امْحُ / امحي... من تفكيرك شيئًا اسمه العصا لمن عصا، فقد ولَّى زمان المُعلِّم الذي يضرب ويُهين ويشتم ويَسُبُّ... واعلم أن البرَّ لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، افعل ما شئتَ، فكما تدين تُدان، فقد يأتي أن يُهان أحد أبنائك من مُعلميه، عندما يصل لمرحلة التعليم، كما أهنت طلابك، ويُظلم كما ظلمتَ طلابك، وقد يَيْئَس من حياته، كما يأَّست طُلابَك من حياتهم.
15- اربط / اربطي... الطلاب دائمًا بحب الله والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وآله وصحابته والقرآن وروعة الإسلام، وأَعْلِمْهُمْ أن هذا الحب يوجب النجاة والنجاح في دراستهم وحياتهم في الدنيا والآخرة.
16- علِّم / علمي... الطلاب كيف يتَّحدثون مع المُعلم، ويتأدبون بأدبيات النقاش والحوار، فالأدبُ مطلوب في اللسان والكلام قبل العلم وتحصيله؛ ((إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
17- ﴿ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ... ﴾ [النساء: 94].
في يوم من الأيام أخانا المعلم / أختنا المعلمة... كنت طالبًا، وكان يُسعدك ويُفرحك مُعلمك الذي كان يُحبُّك، ويهتم بك، ويعينك، ويشجعك، ويحترم آدميتك، فتظل تتذكره دائمًا، وتثني عليه في جموع الناس، وتُرجع له الفضل في أنْ علَّمك كذا وكذا، وبَذَرَ فيك من القيَم كذا وكذا... فكن أنت اليوم ذاك المُعلم، تبذر الخير، وتصنع الجميل، فلا ينساك طلابك، ويحفرون شكلك واسمك في قلوبهم قبل ألسنتهم، فالكيِّس الفطِن من ترك أثرًا جميلاً يتذكره الناس به بعد عمر طويل، ليس من يترك أثرًا سيئًا قد يكون سببًا في إنزال الدعوات الحارقات عليه، وتراكُم الغَضْبات نحو شكله وفصله وعائلته.
18- احذر / احذري... أن تتعمَّد عدم التوضيح والبيان والتفصيل لدروس مادتك؛ من أجل أن يضطر الطالب إلى أن يطلب منك درسًا خصوصيًّا.
واعلم أنك مُطالب أمام الله بأن تُجيد الشرح، والتفهيم، والتبيين، وإعادة شرح ما قد يطلبه منك طلابك؛ أي: ابذُل كل ما عليك؛ ابتغاء مرضات الله؛ كي يبارك الله لك في علمك وتخصصك ورزقك وأولادك.
ثم بعد ذلك إذا طلب منك الطالب درسًا خاصًّا، فهنا لا شيءَ عليك، ولا حرجَ يُصيبك، فقد أدَّيت الأمانة كاملة في قاعة الدراسة، وبذلت ما عليك وزيادة، إلا أنَّ طالبك هو الذي يحتاج إلى توسيع أكثر في المدارك وزيادة أعلى في الإفهام والتبيين.
ثُم لا تنسَ أن تكون رحيمًا في أتعابك التي تتقاضاها من طالبك في درسه الخاص حتى يبارك الله لك، فالراحمون يرحمهم الرحمن.
19- أنتَ / أنتِ على ثغر...
اعلم أخانا المُعلم / أختنا المعلمة... أنك على ثغر عظيم، فأنتَ / أنتِ... تسهم في صنع الجيل إما الصالح وإما الطالح، فلا تسمح لنفسك إلا أن تكونَ صانعًا للقلوب التقيَّة والأفكار النبيلة النقية، أسهم في صُنع مُستقبل مشرق لطلابك، فأنت صاحب رسالة عظيمة ومرامٍ سامية.
خاتمة:
اللهم إنِّي أسألك لكل من هُمْ في ميدان التعليم والتدريس عامة بمراحله المختلفة من الروضة حتى الجامعة - أن تمنحهم من النِّعمة تمامها، ومن العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الإحسان أتَمَّه، ومن الإنعام أعمَّه، ومن الفضل أعذبه، ومن اللطف أنفعه، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم اختم بالسعادة آجالهم، وحَقِّق بالزيادة آمالَهم، وأقرن بالعافية غدوهم وآصالهم، واجعل إلى رحمتك مصيرهم ومآلهم، وأصبب سجال عفوك على ذنوبهم، ومُنَّ علينا وعليهم بإصلاح عيوبنا، واجعلهم ربانيين هادين رحماء رؤوفين بطلابهم، إليك يتقربون، وعلى طلابهم يَحْلُمُون، واجعل التقوى زادنا وزادهم، وفي دينك اجتهادهم، وعليك توكلهم واعتمادهم، وإلى رضوانك معادهم، اللهم وفِّقهم لتربية طلابهم على الخلق المتين والعلم المكين.
اللهم ثبِّتهم على نهج الاستقامة، وأعِذْهم في الدنيا من موجبات الندامة يومَ القيامة، اللهم خفف عنا وعنهم ثقل الأوزار، وارزُقهم عيشة الأبرار، واكفِهم واصرف عنهم شَرَّ الأشرار، وأعتق رقابنا ورقابهم وآباءنا وآباءهم وأمهاتنا وأمهاتهم وجميع طُلابهم من النار يا عزيز يا غفار يا كريم.
وصَلَّى الله على سيدنا محمد معلم الناس الخير والهادي إلى كل بر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن