فلسفة الحياد في الميزان
من منابر النور المتألقة في الميادين صعدت تلكم الأرواح التي اشتاقت إلى الجنان، وتعلقت بعليائها ولم تعد تشعر بألم الأبدان... وتدفقت الجموع لا يثنيها قتل ولا يرهبها دم سال في الميدان...
فماذا حدث حتى تُحشد الجيوش وتُرفع ألوية العسكر في وجه المدنيين؟!
أم إن مطالب تلك الجموع بعودة الشرعية ليس إلا نكراناً لغاية سامية أرادها العسكريون دفاعاً عن شرعيتهم بقتل العباد! وحفاظاً على قدسية الفساد في البلاد! أم إن اليهود قد اجتاحوا سيناء وأقالوا الحكومة والأعضاء؟!
إنه لا هذا ولا ذاك!... ولكنها حرب ضروس، أمرٌ دُبِّر بليل مقيت لإقصاء المسلمين عن كل مظاهر الحكم في البلاد، لأن أولئك القتلة شقّ عليهم أن يروا الإسلام يظهر من جديد، وإن كان ثوبه ما زال غير مكتمل التطريز، وإن كانت حلته لم تزدهر ألوانها.. فلما رأوا أن شرع الله سيحكم في البلاد وسيطهر الأرض من رجسهم وفسادهم استأسدوا...
وفي ظل هذا الانقسام تظهر فئة من الذين يؤثرون النأي بالنفس ويقولون نحن على حياد!... فليس شأن الثائرين شأننا، ولا أمر قتل العسكر للشعب يهمّنا... والأيام ستمضي، وعندها يظهر الغالب ويندحر المغلوب ونمضي مع الماضين في سِلم مبين!...
أيها المحايد... يا من تدعي الحياد، لست كذلك على الإطلاق، فلا يوجد في الحياة من احتوى فكره صفحة بيضاء من غير وجهةٍ واضحة، فإما أن تكون مع المطالبة بإقامة الشرعية أو تكون مع الذين يسعون لهدم حكم الله وشرعيته.
أتريد أن تحيد؟! فإنك إن تحيد فابتعادك إما عن المطالب بحقّ، فتكون قد دخلت في زمرة الإفساد، وإما أن تكون قد حِدْت عن الباطل فتدخل في زمرة الحق..
إن انتظار انجلاء الصورة ليس إلا مزيداً من الفرقة والانقسام الذي ما زال دأب المسلمين تصحيحه، أينتظر أحدنا أن يصبح القتل في منزله ليقول للحق: أنت الحق؟! وللباطل: يا باطل؟! أم أنه سيقف يومها على الحياد ويقول: لعل وعسى؟!
أيها المحايد، أنت تحمل في قلبك جبناً يمنعك من قول الحق وإن كان واضحاً، وخوفاً يردعك عن الالتزام بخط مستقيم، ورعباً من تماثيل الهوى وأدعياء الفجور وحملة ألوية القتل والمجون... لا يمكنني أن أجد لك وصفاً غير أنك تنافق نفسك وتنأى بروحك إلى زوايا مظلمة لن تنير لك الطريق...
ستفتح عينيك يوماً لترى الدماء السائلة في الأرجاء... فهل ستخالها عسلاً مصفى؟! وتقول ما أبهى المكان وكأننا في الجنان؟! وتصفق لمن تلوثت يداه بقتل وخراب؟!
خِبْتَ إن ظننت أن الله غافل عن عمل الظالمين، فالله يمهل ولا يهمل، وإنما ذاك ليميز الخبيث من الطيب، فمن أي الصنفين أنت؟!
رحم الله الإمام أحمد، لم يثنه التهديد بالموت عن قول الحق، وذاك سفيان يوضع السيف على نصله لا يرده الموت عن قول الحق... فما ردَّ المدافعين عن الشرعية قتلٌ ولا تعذيب ولا تخويف ولا إرهاب، فكل ما يُكال لهم لم يثن عزائم أُشربت حب الله وحب الرسول صلى الله عليه وسلّم وعشق الشهادة في سبيل الله، يقينهم أن نصر الله قريب.
فاحزم أمرك ولا تنطو أو تنزو في ركن بئيس مظلم مقيت... فلم يعد للحياد مكان ولا نأي ولا هروب ولو وصلت إلى أعالي الجبال! الموت آتيك لا مَحالة!! فاختر لنفسك موتةً تلقَ بها مولاك بقلبٍ سليم...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة