إدلب.. من ضربة الحذاء إلى ضربة التحرير
حدث حين كنت صغيراً في إدلب الخضراء أن الطاغية المؤسس حافظ أسد كان يطوف بالمدن السورية كسباً للتعاطف الشعبي، يومها مرّ من بلدتي تفتناز ليواصل السير إلى مدينة إدلب، فووجه في سوق الهال على أطراف المدينة بمن يقذفه بالبندورة، ثم يفاجأ ثانية في إحدى ساحات إدلب بمن يقذفه بالحذاء فيتصدى لها حارس مرماه عبد الله الأحمر وإلا كادت أن تصيب هدف وجهه بشكل مباشر، وينقل من كان مقرباً منه أنه أقسم على الانتقام من إدلب، وهي التي كانت معروفة بأنها معقل للناصريين المعادين للبعث ثم معقل للإسلاميين..
بعد أكثر من ثلاثة عقود تنتقم إدلب من الطاغية المؤسس والنجل الوارث القاصر بشار أسد بأن يحرر مجاهدو جيش الفتح المدينة كاملة ويرسلوا رسائل للداخل والخارج أن السلاح هو اللغة الوحيدة التي يفهمها نظام مجرم بحجم عصابات آل أسد وداعميه، وحين كانت الصور تترى من إدلب العز والكرامة والنصر بالأمس وأول أمس توقفت عند رسالة أدمعت العين وأحزنت القلب صورة لنجل الشهيد علي عزرائيل من بلدتي تفتناز وهو يمتشق سلاحه وسط مدينة إدلب ملوحاً بالنصر، كان والده قد استشهد في مواجهة مع عصابات أسد عام 1980، ومن حقدهم الدفين على الشام وأهلها قاموا بسحل جسده الطاهر بواسطة عربة عسكرية لأكثر من 15 كلم وذلك من تفتناز إلى إدلب الخضراء ليدفنوه في مقبرة مجهولة، اليوم يثأر الابن للأب، وهو ما يذكرني بثأر أسامة بن زيد لوالده زيد بن حارثة حين عيّنه النبي عليه السلام على رأس جيش قبل وفاته ثأراً للهزيمة التي تعرض لها الصحابة ومن بينهم أحد قادة معركة مؤتة زيد بن حارثة رضي الله عنه..
اليوم تثأر إدلب لكل حر شريف هُجر عن بلده أو اعتقل، واليوم تُرسل مدينة إدلب رسالة مضمخة بالدم وبنجيع الشهداء ألاّ حل سلمي مع هذه العصابة، ومن المفارقات أن يأتي هذا النصر في نفس اليوم الذي يتم رفع علم العصابة الأسدية في القمة العربية المنعقدة بالقاهرة ويُمتنع عن دعوة المعارضة السورية لملء مقعد سورية في القمة، وهو ما يذكرني بوصول المجاهدين الأفغان إلى كابول وتحقيقهم النصر العسكري بينما كان الوسيط الدولي بينون سيفان يحاول إقناع أطراف بمساومات سياسية في بيشاور وغيرها..
جيش الفتح الذي ضمّ كل الفصائل الجهادية بإدلب مشروعه أكبر من تحرير مدينة كما أعلن قادته، وهو مشروع فريد في الساحة الشامية إن كان من حيث ذوبان كل الفصائل في داخله وتفانيهم في المعركة إيثاراً للباقي على الفاني أو من خلال الإرادة والتصميم على الاستمرار لتحرير الشام كلها، بيد أنه لا بد من التنبه لبعض القضايا وإن كنا على يقين أنها لن تغفل عن المجاهدين الصادقين هناك:
1- تشكيل مجلس من أهل الثقة والخبرة لإدارة المدينة وتقديمه نواة دولة تليق بالشام وبكل من ضحى من المسلمين، لتبديد مخاوف الصادقين، وشماتة الأعداء الكاذبين، وهذا يتأتى بأن يكون المجلس من أهل المدينة أو من خبروه وخبرهم، وعرفوا، فاليوم يوم العطف والحنان على مدينة ومحافظة قلّما عانت محافظة سورية مثلها على مدى حكم الطاغية المؤسس والوارث القاصر.
2- الحفاظ على أرشيف الأجهزة الأمنية فهو كنز من كنوز لا يعرفها إلا أصحاب الخبرة، فقد حرص السياسي العراقي أحمد الشلبي على سرقة كل أرشيف المخابرات العراقية يوم احتلال العراق ونقله إلى إيران، وقد استغلته إيران أحسن استغلال في تركيع لاعبين داخليين وخارجيين، وهو أمر مهم على المجاهدين التنبه له من خلال نقله إلى أماكن آمنة، ومعه كذلك أرشيف السجلات المدني ومصالح العباد والبلاد..
3- لا بد من استثمار زخم التحرير والانتصار ومواصلة دك معاقل النظام المجرم في المفاصل العسكرية المتبقية بالريف الإدلبي، وتقديم نموذج جيش الفتح للمدن الأخرى لمواصلة الدفع باتجاه معاقل الطائفيين في الساحل أو تحرير حلب..
4- على مجلس إدارة مدينة إدلب التواصل بشكل رسمي مع تركيا الدولة المجاورة وكذلك مع الدول الأخرى لوضعهم أمام مسؤولياتهم الجوارية وكذلك الانسانية بالعمل على كفّ عصابات أسد عن قصف المدينة الجميلة الوادعة لحماية المدنيين الذي يصل عددهم إلى مئات الآلاف، وهي فرصة لعودة المشردين من تركيا وغير تركيا للمناطق المحررة..
5- حسن معاملة المجاهدين للمسيحيين في إدلب وكذلك للدروز في أطرافها لوقوفهم على الحياد وعدم ولوغهم بدماء الآمنين رسالة رائعة للداخل والخارج، وهذه الرسالة ينبغي أن تتعزز ويتعزز معها أيضاً الشدة والغلظة على كل من دعم النظام وتسبب في قتل الآمنين وقصفهم وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم..
6- على مجلس إدارة المدينة المسارعة إلى تشكيل لجنة قضائية للبت في خلافات الناس لا سيما وأنها ستكثر بعد التحرير وهي المتعلقة بالدماء والأعراض، وعلى اللجنة الشرعية التحذير والضرب وبقوة على كل من يعمل على التعاون مع الفلول في تسهيل حركتهم ونقلهم إلى خارج المحافظة، والطلب من الجميع أن يتعاون في تسليم المطلوبين والهاربين من عصابات أسد والمتعاونين معه..
لا يزال الهتاف الرائع الذي صدح به مئات الآلاف من المتظاهرين في ساحات إدلب العز يوم المظاهرات السلمية يرن في أذني، كان الهتاف الرائع الذي تقشعر الأبدان له "لبيك.. لبيك.. لبيك يا الله" لكنه لم يكن هتافاً بالحناجر فقد كان هتافاً بالدم وبالثأر وهتافاً لتحرير حقيقي سيتردد صداه قريباً في أرجاء الشام الطهور، تعود بي الذكريات لأقول وكأن أبطال إدلب اليوم ومشاركوهم في هذا النصر المؤزر يهدون نصرهم إلى إبراهيم عاصي وعلي عزرائيل وآل سيد عيسى وآل العبادي... وإلى الدكتور المهاجر الصابر منذ 1979 محمد ديب الجاجي وكل المهاجرين والشهداء والجرحى والمعتقلين..
المصدر: موقع المسلم
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن