حوض النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
قال تعالى:﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 1 - 3].
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، قال أبوبشر: قلت لسعيد: إن أناسًا يزعمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه".
وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طينه مسك أذفر".
وهذا الكوثر يصب منه ميزابان في حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر الحوض قال: "يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ".
وفي رواية أخرى لمسلم: "يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق".
وهذا الحوض، وصفته ثبتت بطرق عن جمع من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم، واشتهر ذلك واستفاض، بل تواترت في كتب السنة من الصحاح، والحسان، والمسانيد، والسنن، والحوض هو مجمع الماء.
قال النووي - رحمه الله -: "وهذا تصريح بأن الحوض حقيقي على ظاهره كما سبق، وأنه مخلوق موجود اليوم".
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "والحوض موجود الآن" لما رواه البخاري، ومسلم من حديث عقبة بن عامر: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن".
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ومنبري على حوضي".
وأما في كيفية مائه، فإنه أشد بياضًا من اللبن، هذا اللون، أما في الطعم فإنه أحلى من العسل، وفي الرائحة أطيب من المسك.
روى مسلم من حديث أبي ذر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر الحوض قال: "ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل"، وفي رواية في الصحيحين: "وريحه أطيب من المسك".
أما آنيته فعدد نجوم السماء، وهذا ورد في بعض ألفاظ الحديث في الصحيحين، وفي بعضها: "وآنيته كنجوم السماء"، وهذا لفظ أشمل لأنه يكون كالنجوم في العدد، وفي الوصف بالنور واللمعان، فآنيته كنجوم السماء كثرة، وإضاءة، وفي بعض روايات الصحيح: أن هذه الأباريق من ذهب، وفضة.
وزمن الورود على الحوض قبل العبور إلى الصراط، لأن المقام يقتضي ذلك، حيث إن الناس في حاجة إلى الشرب في عرصات القيامة قبل العبور إلى الصراط، وقد رجح بعض أهل العلم ذلك، ومن شرب من الحوض لم يظمأ أبدًا، لما ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو: "من شرب منه لم يظمأ أبدًا".
أما أسباب الورود على الحوض، فمنها:
أولًا: التمسك بالكتاب والسنة، والثبات على ذلك، والبعد عن البدع المحدثة في الدين وكبائر الذنوب، روى الحاكم في المستدرك: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض".
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني فرطكم على الحوض، من مر بي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا لمن غير بعدي" فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن عن ديننا.
قال ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون للكبائر.
قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر، والله أعلم.
ثانيًا: عدم إعانة الولاة الظلمة على ظلمهم، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث كعب بن عجرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردوا على حوضي".
ثالثًا: الصبر على ما يصيب المؤمن من نقص في الدنيا، واستئثار غيره بها، روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سترون بعد أثرة شديدة، حتى تلقوا الله وروسوله - صلى الله عليه وسلم - على الحوض".
رابعًا: المحافظة على الوضوء، روى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر الحوض قال: "والذي نفسي بيده إني لأذود عنه كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه قالوا: يا رسول الله أوتعرفنا؟ قال: نعم، تردون علي الحوض غرًا محجلين من آثار الوضوء ليست لأحد غيركم".
اللهم أوردنا حوض نبيك، واجعلنا من المتبعين لسنته، اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا، اللهم احشرنا في زمرته، واجعلنا من أتباعه مع النبيين، والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: شبكة الألوكة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن