كيف تصطادين عريساً؟
المراهقة مرحلة معقدة تعاني فيها المراهقات بأوجه مختلفة؛ فهنّ يتأرجحن بين عالم الكبار وعالم الطفولة، ويختبرن للمرة الأولى تغيرات جسدية وهورمونية تولِّد عندهن نوعاً من الاعتزاز بالنفس، كما تولِّد مشاعر انجذاب إلى الطرف الآخر، وهذا أمرٌ طبيعي شرط أن لا يتجاوز الحدود، ولكن أن يسيطر على تفكير المراهقات بنسبة 100% هو الأمر الذي لا بدّ من التطرّق إليه وبشدة.
أجل يا أخواتي... فإن نتائج استطلاع اجريتُه أظهرت أن 10 من كل 15 طالبة جامعية على أبواب التخرج يتحدثن يومياً، في أوقات الفراغ على النت والجوال عن شريك العمر. ويتحاورن فيما بينهنّ عن كيفية إيجاد العريس الملائم. كما يتحدثن عن مواصفاته وعن سلوكه وعن كيفية ارتداء ملابسه. فهل هذا هو الموضوع المحوري الوحيد الذي يجب أن تتحدث فيه الطالبات الجامعيات اللواتي يشكلن جزءاً محورياً من مستقبل أمتنا، ودفعاً رئيسياً لمحرك نهضتنا؟
تأثير المجتمع
عندما تطفو بعض الظواهر الاجتماعية إلى مستوى الخطر، لا بد من دراسة تأثير المجتمع عليها وتأثيره أصلاً في ظهورها. فالمجتمع يلعب في قضيتنا هذه دوراً فعّالاً. فالتعليقات التي يوجهها أفراده وخاصة النساء إلى الفتيات مثل: «كبرتِ، وحليتِ، وصار بدِك عريس»، «شو حلياني كتير بدي أخطبك لابني»، وغيرها من التعابير تستثير مشاعر الفتيات وتوجه تفكيرهن بشكلٍ غير مباشر إلى الحب وفارس الأحلام والزواج ويُعرضهن لضغط معنوي.
من خلال الأسئلة المتكررة مثل: «شو مخطوبة... الله يبعتلك عريس»، «خطبت بنت عمّك وإنت إمتا؟!»، وغيرها من التعليقات التي تدفعها إلى البحث عن عريس حتى تتخلص من لقب «عانس» وتنال درجة الاصطفاء لأنها أصبحت مخطوبة.
كما أن النبذ المعنوي الذي تواجَه به البنات المتأخرات عن سن الزواج في المجتمع، وإطلاق لقب «عانس» عليهن يزيد من تأزمّ المشكلة.
لعل التحقيق الميداني الذي أجريناه يسلط الضوء على أبرز نقاط المشكلة:
* تقول هبة، وهي فتاة جامعية تعمل في المحاسبة القانونية، إن الفكرة بدأت تتملّكها بعد تخرجها من الجامعة وحصولها على الوظيفة، حتى أصبحت هاجساً حين ازدادت نظرات المجتمع لها غرابة وأصبح كل من يقابلها يسألها عن الزواج ولماذا لم تتزوج إلى الآن، وماذا تنتظر. على الرغم من أنها كانت تحضِّر للتخصص ومنتجِةً جداً في عملها لدرجة أنها حصلت على ترقية مؤخراً، إلا أن نظرات المجتمع لا ترحمها أبداً.
* أما مجدلين، وهي طالبة في كلية العلوم، صارحتنا بأن المسلسلات التي تتمحور حول موضوع الحب والزواج تؤجج الرغبة لديها، وتُسهب في الحديث عن أن العلاقة المضطربة بينها وبين أبيها تحثها أكثر فأكثر على التفكير في الزواج حتى يتوفر لها شعور الأمان والطمأنينة. كما أنها تخاف من أن تصبح عانساً ينظر لها المجتمع نظرة الشفقة. وأخبرتنا بأنها وصديقاتها دائماً يتحدثن عن هذا الموضوع. كل هذه العوامل تضافرت حتى دفعتها إلى محاولة جلب انتباه الشباب لها من أجل تأمين العريس المناسب!!
* تقول فرح، وهي تلميذة في معهد (CIS)، بأن الحب شيء جميل وهو يسيطر على حياتها. فالحب هو مادة الحياة حالياً؛ كما تصوره الأفلام والمسلسلات والأغاني وحتى الكثير من البرامج التلفازية.
* أما سارة التي تدرس المحاسبة فتقول: إن المراهقات تتملكهن فكرة الحب والزواج لأن حياتهن فارغة من المشاكل والهموم والمسؤوليات، وبالتالي فهنّ لا يُمضين أوقات فراغهنّ بما هو مفيد كممارسة الرياضة، حفظ القرآن، أو التطوع في الأعمال الخيرية، القراءة والبحث.
* في حين أنّ ماريا، التي تبلغ من العمر 17 عاماً وتدرس في معهد CIS فتقول: إن فكرة الحب وإيجاد فارس الأحلام تتملكني بنسبة 60%، لأن الفتيات كلهن يتحدثن عن مغامراتهن في هذا الموضوع أو يتحدثن عن خطّابهن وعن تحضيراتهن للزواج، مما يدفعني إلى التفكير في نفسي ومستقلبي الزوجي.
* وتخبرنا سارة، وهي متخرجة حديثاً من كلية العلوم، بأنّ فكرة إيجاد العريس تفجّرت لديها من إلحاح المجتمع والأقارب الذين دائماً ما يسألونها عن سبب تأخر ارتباطها «فقد بات هذا الموضوع يشكل عقدة نفسية تلاحقني في كل مكان». أما فارس الأحلام فهي فكرة قديمة وإيجاده بات صعباً جداً لأن الحياة الواقعية دائماً ما تغيّر من تطلعاتنا.
* وتقول وردة، وهي متخصصة في الجغرافيا، وقد تخرجت منذ 3 سنوات، بأنها بعد التخرج بحثت عن عمل ولكنها لم تعثر على أي وظيفة وهي حالياً تنتظر أن تتزوج لأن حياتها مملة.
* وتحدثنا هبة -25 سنة، مخطوبة منذ شهرين، وهي سكرتيرة في إحدى الجمعيات في صور - بأنها تعمل منذ 5 سنوات وتتقاضى 500,000 ليرة لبنانية، وبالتالي فهي كانت تتمنى اللحظة التي يطلبها العريس حتى تستريح من عبء العمل وتعيش بعضاً من الراحة في كنف زوجها.
رأي أُمّ
في حين تعبِّر أُم عن وجهة نظرها:
* تقول الأخت هالة، وهي أم لابنة تبلغ من العمر 25 سنة مخطوبة: «إنّ المجتمع العربي مهما تطور وحاول أن يلبس ثوب الحضارة الأجنبية فإنه لن يتخلى عن بعض العادات والتقاليد، ومن أهمها «ستر البنات». فالبنت مهما حصلت على شهادات جامعية مصيرها إلى منزل زوجها». وتناقشنا السيدة هالة بأن هذه الفكرة تبثها الأمهات والجدات والعمات والخالات بشكل غير مباشر في عقول الفتيات اليافعات، حين يخبرنهن ويقلن لهن: تعلمن حتى تتزوجن من أشخاص مهمين، فيربطون بين العلم والثقافة ودورهما في اصطياد العريس المناسب مما يزيد الطينة بلّة ويؤزِّم المشكلة أكثر.
أسباب المشكلة
وفي مقابلة مع المتخصصة في علم الاجتماع الأستاذة ميساء عبد المعطي - ومدرِّسة علم اجتماع في إحدى الثانويات - أخبرتنا بأن هناك العديد من الأسباب التي تدفع بالفتيات إلى التفكير بالزواج؛ منها ما هو فردي ومنها ماهو اجتماعي. فالفتاة عندما ترى إحدى زميلاتها مخطوبة تشعر ببعض الغيرة وتسعى إلى مماثلتها وهذا تلبية لرغبتها الفطرية ورغبتها في الاستقرار وتكوين الأسرة. كما تشدد الأستاذة على موضع اختلال الأولويات وأثره السلبي في نمو الفتيات النفسي والفكري؛ فتتجه الفتاة من التفكير في تحصيل العلم ولعب دور فعال في المجتمع إلى التفكير بسطحية في الزواج دون معرفة الصفات الشخصية التي يجب أن تجدها في زوج المستقبل. أما الأسباب التي تنتج عن المجتمع فمن أهمها عادات وتقاليد سن الزواج، بحيث إذا تجاوزت الفتاة الرابعة والعشرين من دون ارتباط، تبدأ حالة هستيرية تضغط عليها من أفراد المجتمع. كذلك اهتمام الأفراد بالزواج كهدف أساسي وأولي، في حين يحتل العلم والعمل مراتب أقل أهمية في حَث الفتيات على هذا الاختيار. من هنا يتبين لنا مجموعة من العناصر التي قد تدفع بالفتيات إلى محاولة اصطياد العريس.
وتقدم الأستاذة أحد الحلول لهذه المشكلة وهو ملء فراغ الطالبات فيما هو مفيد ومثمر، بالإضافة إلى تعزيز أهمية تعليم المرأة وتدريبها لتصبح عنصراً فعالاً في حياة المجتمع وفي تطوره.
وتضيف: كل هذا يعكس بوضوح مجموعة من الآفات الاجتماعية التي يعاني منها مجتمعنا، وهي:
- العنوسة وتأثيرها الفكري والنفسي على حياة فتياتنا.
- انتشار المسلسلات والأفلام التي تتمحور حول الحب والزواج فقط.
- الهشاشة النفسية للأجيال القادمة.
- سطحية الأفكار وتفاهتها.
- غياب الهدف الحقيقي لحياة الشباب.
- افتقار القدوة الصالحة.
- غياب الفعاليات الاجتماعية التي تستثمر طاقات الشباب عندنا، وضعف البديل عنها في العمل الإسلامي.
- ضعف الرقابة الأسرية في ظل انتشار النت والجوالات.
< افتقاد الشباب للوعي الديني الإسلامي.
إذاً، يتجلى لنا دور المجتمع من خلال المدراس التي يجب أن تزرع حب المعرفة، وأن تراقب الفتيات، وتُسهم في تنظيم أولوياتهن من خلال متابعة موظفات الخدمة الاجتماعية لهن. ويتجلى من جهة أخرى في آفاق تطلعاتهن، ويبرز دور الأسر من خلال تفجير طاقات بناتهم بشكل منظم وعملي، وذلك بحثّهنّ على الالتحاق بعمل جماعي مثل المؤسسات الدينية الخيرية لتلقّف العلم الشرعي, وممارسة العمل التطوعي الذي يعزز ثقة الفتاة بقدراتها وأهمية مشاركتها في بناء مجتمعٍ خالٍ من الطَّفرات المُضّرة، كما يبرز دور الأم في احتواء مشاعر فتياتها وتوجهها إلى الاختيار المناسب والسليم، وعدم التسرع في خطوة الزواج حتى يأتي الرجل الذي يخاف الله فيها ويقدِّرها حق قدرها.
ختاماً: نشكر كل من أسهم في رسم ملامح هذا التحقيق الذي يصوِّر طرفاً مظلماً من واقع مجتمعنا العربي وهو في طَوْر نهضته الحديثة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير