التثقيف الجنسي الآمن للشباب | حوار مع د. عبد الحميد القضاة
في عصر كثر فيه الفساد المتمثل في الفضائيات والإنترنت، والغزو الفكري لأبنائنا... أصبح التثقيف الجنسي العلمي مطلباً اجتماعياً ملحاً، بسبب انتشار الأمراض الجنسية الخطيرة...
نستضيف في هذا العدد المدير التنفيذي "لمشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسياً والإيدز" التابع للاتحاد العالمي للجمعيات الطبّية الإسلاميّة، الدكتور عبدالحميد القضاة..
سيرته الذاتية:
• من مواليد الأردن عام 1946م.
• متزوج وله أربعة أبناء وأربع بنات.
• دكتوراه في تشخيص الأمراض الجرثومية والأمصال عام 1982م من كلية طب جامعة مانشستر في بريطانيا.
• ماجستير في فلسفة العلوم الطبية (امتياز) من مركز جناح للدراسات الطبية العليا عام 1978م.
• عضو في العديد من الجمعيات والمؤسسات الصحية والاجتماعية.
• المدير التنفيذي لمشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسياً والإيدز التابع للاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية منذ عام 2005 م.
• له العديد من الأبحاث والمؤلفات العلمية.
فإلـى الحـوار ...
1. "منبر الداعيات": بداية حبذا لو تحدثنا عن مشروع وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسياً والإيدز.
• بما أن العالم يُعاني من مشكلة الأمراض المنقولة جنسياً والإيدز بسبب تفشي الفاحشة (الزنا والشذوذ) وانتشار الرذيلة، وهي باعتراف منظمة الصحة العالمية مشكلة عابرة للقارات وبازدياد مستمر، وحيث إن جُلّهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشر والخامسة والعشرين، ورغم أن هذه المشكلة منتشرة في جميع أنحاء العالم، علماً أنها ولله الحمد لا زالت بحدها الأدنى في بلادنا العربية والإسلامية... وبما أن العالم أصبح قرية صغيرة... ولأن الإنترنت أصبح بعجره وبجره في متناول يد المراهقين... ولأن الثورة الجنسية قد بلغت ذروتها، وأصبحت الممارسات الجنسية علنية بحجة حقوق الإنسان والحرية الشخصية، وقاد الغربُ حملات عالمية لتشجيع الشذوذ الجنسي والزنا... لهذا أصبح شبابُ الأمة الإسلامية في خطرٍ متزايد، لأنهم مستهدفون، ولأن الجنس والانحلال أصبحا من عناصر الحرب القادمة... لهذا ولغيره كان لا بد من تركيز الجهود الوقائية والتربوية والطبية لحمايتهم... فهبّ الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية لعمل علمي عملي وبروح إسلامية، يحمي الشباب ويقيهم ويحذرهم مما يُحاك ضدهم ويُدبَّر لهم بليل، فكان هذا المشروع العملي تحت شعار "يداً بيد لوقاية الشباب" من شرور هذه الأوبئة الفتاكة، التي تدمر روح الفضيلة والعفاف قبل فتكها بأجساد الشباب... فَنَعَم للفضيلة ولا للرذيلة.
2. "منبر الداعيات" ما هي آليات تطبيق هذا المشروع؟
• يقوم الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية بالتعاون مع الجمعيات المدنية والرسمية باستقطاب متطوعين من الشباب وخاصة الأئمة والوعاظ والمعلمين والمعلمات والدعاة... إلخ، لتدريبهم وتأهيلهم من خلال خبرائه في دورات تطوعية مجانية، علمية دينية طبية، يزودونهم خلالها مع المحاضرات بملفات خاصة وكتب متخصصة بهذه الأوبئة ومواد أخرى مساعدة، ثم شهادة رسمية من الاتحاد، كل ذلك مجاناً شريطة أن يقوم المتطوع أو المتطوعة سنوياً بعشر فعاليات توعوية، كل حسب اختصاصه، كالمحاضرات في المدارس والنوادي والمساجد ومراكز الشباب والشابات، والجامعات، كلٌ في منطقته.
3. "منبر الداعيات": ما هي الدورات التي يشملها هذا البرنامج التدريبي؟
• لهذا المشروع ثلاثة مستويات من الدورات المجانية:
- الدورة الأولى: دورة أصدقاء فريق وقاية الشباب من الأمراض المنقولة جنسياً، وهي مصممة لطلاب الثانويات والجامعات، والمقصود منها توعيتهم بالمخاطر في هذه المرحلة العُمرية الحرجة، ومدتها يوم واحد، ولها شهادة خاصة من الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية.
- الدورة الثانية: دورة إعداد المحاضرين في الوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً، وهي مصممة للأئمة والوعاظ والمعلمين والمعلمات ومن في مستواهم العلمي والعُمري، ومدتها ثلاثة أيام، ومن يجتازها يُمنح شهادة خاصة من الاتحاد، ويتعهد بإلقاء عشر محاضرات على الأقل سنوياً أو يُشارك في عشر ندوات أو يُقدم نشاطات للطلاب في المدارس والمراكز القرآنية والشبابية.
- الدورة الثالثة: دورة إعداد المدربين في هذا المشروع، وهي مصممة لمن اجتاز الدورات السابقة وعمل معنا بالمشروع على الأقل لمدة عام، وأثبت اهتمامه بالشباب وقدم العديد من المحاضرات، وأحب أن يُكمل معنا المشوار؛ مدتها خمسة أيام، ولها دبلوم خاص من الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية، ليُصبح مدرباً يقوم بتدريب المشاركين في الدورة الأولى والثانية في منطقته أو قطره.
4. "منبر الداعيات": (التثقيف الجنسي) تعبير ما زال يشكل حرجاً كبيراً لدى الكثير من الآباء والمربين.. كما أن البعض يعتقد أنه مخالف لشرعنا... ما مدى صحة ذلك؟
• أما آن لنا أن نتجاوز بعض الموروثات الاجتماعية الخاطئة، بحيث لا يمنعنا الخجل من الحديث مع أقرب الناس لنا (الأبناء) عن الأمور الجنسية التي يحتاجون إليها، حسب مراحلهم العمرية التي يمرون بها، كي نحول هذا الخجل المهزوم إلى حياء منتصر... بنّاء... نافع للفرد... والمجتمع... والأمة... والإنسانية كلها بإذن الله؟
ومن المعلوم أن الدين الإسلامي يتضمن تشريعاً شمولياً يغطي مختلف نواحي الحياة ((ما فرّطنا في الكتاب من شيء) (الأنعام 38)، وعلى رأس مصادر هذا التشريع القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد تطرق كلاهما إلى العلاقات الجنسية في مختلف مراحلها ومن زواياها المتعددة ابتداءً من أبسطها كالتمييز بين الذكر والأنثى وميول كل منهما إلى الآخر فطرياً، إلى الحمل والولادة وما يترتب على ذلك من مسؤوليات، ووضح العلاقات المشروعة وغير المشروعة، وعاقبة كل منهما. كما أشارت التوجيهات الإسلامية إلى حَجب مفاتن المرأة عن الطفل إذا ميّزها بغض النظر عن سنه.
وقد سرد لنا القرآن الكريم قصصاً مثل قصة سيدنا يوسف عليه السلام، فصور لنا موقف الإغراء الذي تعرض له أدق تصوير، بأسلوب بياني رائع، محتشم غير مبتذل، وإن كان الموقف نفسه غاية في الابتذال...
فقد تطرقت مصادر التشريع الإسلامي لكل هذه الموضوعات وبحثتها بدقة، ولكن في جو من الحشمة والاتزان.
5. "منبر الداعيات": في أي عمر يُستَحسَنُ البدء بالتثقيف الجنسي للأولاد؟
• يميل الكثير من أهل الاختصاص إلى تقسيم الثقافة الجنسية إلى حُزم من المعلومات تعطى حسب المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان. ومن هذه التقسيمات العمرية التي أقرتها منظمة الصحة العالمية أربع فئات مستهدفة بالتثقيف:
- أولاً: مرحلة ما قبل البلوغ؛ ويمكن أن تقسم إلى مرحلتين:
أ- مرحلة الطفولة: ولعل أُولى بدايات هذه المرحلة عندما يصبح الطفل قادراً على اكتشاف ما حوله. وفي هذه المرحلة غالباً ما يطرح الأبناء أسئلة جنسية، فيتوجب على الأهل الإجابة عن الأسئلة برزانة، وهدوء، ودون تحوير للسؤال.
ب- مرحلة الطفولة الثانية: وتبدأ من سن العاشرة ولغاية الثانية عشرة، وهي مرحلة الإعداد للبلوغ. وعلى الأهل أن يشرحوا لأطفالهم أسس الحياة الجنسية قبل مرحلة بلوغ الثانية عشرة من العمر.
- ثانياً: مرحلة البلوغ المبكر (13-15سنة):
مهم جداً في هذه المرحلة تعليم الطفل عدم الخجل من السؤال عن التطورات التي تحصل معه، سواء كانت نفسية أو جسدية أو عاطفية.
وتتطلب هذه المرحلة برنامج دروس في علم الجنس النباتي والحيواني. وأما موضوع العادة السرية فهو من أهم الأمور التي يجب تغطيتها في هذه المرحلة العمرية.
- ثالثاً: مرحلة البلوغ الثانية (15 سنة فأكثر):
والمسؤولية في هذه المرحلة - وإن كانت مشتركة - يقع العبء الأكبر منها على كاهل المؤسسات التربوية (المدراس والقائمين عليها) فيعاد ما تمّ شرحه وتوضيحه في المرحلة السابقة ولكن بتوسع أكبر.
- رابعاً: مرحلة النضوج والمسؤولية الكاملة من سن 21 فأكثر:
وتكون البرامج الموجهة للذكور منفصلة عن تلك التي توجه للإناث، لأن طبيعة الحديث مع الذكور وعرض المعلومات لهم تختلف عنها للإناث.
6. "منبر الداعيات": ما مدى خطورة عدم تأمين التثقيف الجنسي الآمن على أبنائنا؟
- لا شك بأن أكثر الفئات تأثراً بتدخلات شياطين الإنس المُفسدة هم الأبناء، فيبدؤون بالانحراف تدريجياً، وشيئاً فشيئاً يتسع الخرق على الراقع، لذا فكلما كان التدخل الإيجابي مبكراً ومتدرجاً كانت الفائدة أكبر، أما إذا نامت نواطير مصر عن ثعالبها، فقد يتسع الخرق ويهلك الجيل ولا ينفع حينها الندم.
فالطفل يرى حوله الجنس، ومثيرات الشهوة، ومحركات الغريزة، بمجرد أن يفتح عينه على الدنيا، ليجد المتطوعين من حوله يقدمون له كل ما لا يحتاج إليه – في حينه - من المعلومات بصورة شوهاء، لا تحمل بين طيّاتها غير الدمار. لذلك كان لا بد من التثقيف الجنسي، وفي هذا الوقت بالذات.
من أجل فلذات أكبادنا... من أجل سلامة أجيال المستقبل... من أجل الحفاظ على الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها... من أجل بقاء الحياء في عيون العذارى... من أجل أخلاق الناس... من أجل إنسانية الناس... من أجل البشرية كافة...
لا بد من التثقيف الجنسي لنحصن الجيل، شباباً وأطفالاً، ضد السقوط في مستنقعات الرذيلة التي يحملها المستقبل الغامض.
المصدر: منبر الداعيات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن