الصبيَّة الناشطة والشهيدة الثائرة (طلّ الملّوحي)
الفَرَس الصغير - سجينة الرأي... فراشة الحرية... الطفلة السجينة... الشهيدة الحية... أصغر معتقلة حرية رأي في العالم... الأسيرة الحرة...
كلها مسميات لصبية في عمر الزهور، عانت في سن مبكرة رهبة الاعتقالات، وذاقت مرارة الغربة عن بلدها وأُودعت ظلماً وعدواناً في أقبية السجون المظلمة; حيث عانت فيها قسوة التعذيب، وابتُليت بمحاولات تشويه سمعتها... كل ذلك بسبب عاطفتها تُجاه قضايا أمتها التي ترجمتها إلى كلمات أبتْ إلاّ أن تخطّها على صفحات مدونتها..
هذه الصبيّة هي المدوِّنة السورية طَلّ بنت دوسر خالد الملوحي، من مواليد حمص 4/1/1991.. وطَلّ من عائلة معروفة في المجتمع الحمصي خاصةً والسوري عامةً، بأخلاقها العالية وتعاملها الطيّب مع الناس وحبّها للعلم والأدب والشعر.
دراستها
تلقت طَلّ تعليمها في مدارس حمص الحكومية، وعُرف عنها حبّها للقراءة، أكثر من كتب المدرسة وواجباتها المدرسية، بالإضافة إلى موهبتها في الكتابة.
وعيها واهتماماتها
في المرحلة الثانوية تطورت كتاباتها التي كانت تدلّ على مستوى وعيها، عكس الصبايا اللاتي كن في مثل سنها ولا يشغلهن سوى قصص الحب؛ الأمر الذي استدعى مديرة ثانويتها لتوقيفها عن الكتابة في مجلة المدرسة الحائطية.
قامت طَلّ بنشر قصائد وأشعار وتعليقات في مدوناتها الثلاثة: «مدونتي». أما المدونة الثانية فهي بعنوان «رسائل». أما المدونة الثالثة، فقد خصصتها طَلّ لتوثيق «القرى الفلسطينية المهجرة».
كانت لها مواقف حازمة ضد حصار غزة.. فكتبت عن ذلك شعراً ومقالات وشاركت في مظاهرة وحيدة تتعلّق بهذه القضية.
في عام 2009، كتبت طَلّ مقالة عن أوباما بخصوص طرحه أفكاراً مشجّعة للمسلمين وللسلام العالمي. كما طالبتْ بإزالة ترسانة الكيان الغاصب النووية.. وعملت فترة وجيزة مع قناة «الجزيرة الوثائقية».
محنتها
بدأت محنتها باكراً حين قام جهاز أمن الدولة باستدعائها بشكل دوري لسؤالها بعد كل مقال أو قصيدة كتبتها، ووصل الأمر بهم إلى قطع الهاتف والإنترنت عن منزلها، ممّا دفع هذه الصبية الحرّة للتردد إلى مقاهي الإنترنت التي بدورها أقفلت أبوابها في وجهها. فتعاونت مع بعض صديقاتها لتهريب قصائدها للخارج، وتم نشرها تحت أسماء مستعارة؛ بحسب ما ذكر الكاتب أشرف المقداد في مقالاته.
وفي سنة 2006، استُدعيت طَلّ الملوحي من جديد بسبب مناشدةٍ وجَّهتها إلى الرئيس السوري، قائلةً إنه «كرئيس يحتم عليه منصبه وقف الفساد المستشري»، مذكرةً إياه «بما قطعه من وعود». وفي سنة 2007، تكرر استدعاء الأمن لطلّ ثلاث مرات على الأقل. إحداها في أواخر عام 2007، أي عندما كان عمرها 16 سنة تمّ ضربها بقسوة، ووقع حجابها عن رأسها.. وأصيبت طَلّ بعد إطلاق سراحها بمرضٍ أقلق عائلتها ودفعهم إلى البحث عن ملجأ لابنتهم، ولم يكن استخراج جواز للسفر هيِّناً لاعتراض الجهات الأمنية!
مرارة الغُربة
مصر كانت البلد الذي اختاره ذووها لتسافر إليه; كون المواطن السوري لا يحتاج إلى جواز سفر للدخول إليها، وذلك بغرض الحصول على الثانوية العامة التي مُنعت من إكمالها في بلدها. فسافر ذووها معها وسكنوا في أكثر الأحياء فقراً في القاهرة حيث تابعت طَلّ دراستها.
ثباتها على مواقفها
عندما حدثت مأساة غزة اندفعت طَلّّ بكتاباتها لإغاثة أهل غزة... رغم أنها تحت المراقبة ويتم استدعاؤها بين الفينة والأخرى ورغم محاولات ابتزازها...
اختفاؤها!
تمت الموافقة على عودتها إلى سورية شريطة أن توقِّع تعهداً بأن تتوقف عن الكتابة كلياً فوافقت طَلّ على ذلك، ولكن هذه المسكينة اعتُقلت فور عودتها. وبحسب التقارير الصادرة عن مؤسسات حقوقية سورية، فإن جهاز أمن الدولة السوري أرسل استدعاءً طَلّ الملوحي في 26 ديسمبر 2009 للتحقيق معها حول مقال كانت قد نشرته في مدونتها، وفي 28 ديسمبر داهم عدد من عناصر الجهاز المذكور منزل الأسرة في حمص، وصادروا جهاز الحاسوب الخاص بها وبعض الأقراص المدمجة وكتباً وأغراضاً شخصية أخرى. ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الملوحي إلى ذويها، وقوبلت زيارات الأهل لمركز الاعتقال التابع لأمن الدولة بتطمينات غامضة بأن أمورها جيدة، دون تقديم أي معلومات إليهم حول أسباب احتجازها.
تعذيبُها
في 2010، علمت أسرة طَلّ أن ابنتهم تعرضت للتعذيب منذ اعتقالها حتى شباط 2010 على الأقل، ولم يتوقف التعذيب إلا بعد تدهور حالة الفتاة الصحية.
أنباء عن وفاتها
في 14 شباط 2011م، حُكم على طَلّ الملوحي بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة إفشاء معلومات لدولة أجنبية عن طريق استغلالها لجسدها!!! ولقد وردت أنباء متواترة تؤكد أنها فارقت الحياة تحت وطأة التعذيب الشديد.
كتبت المدوِّنة أروى عبد العزيز على مدونتها: «إنَّ حِكايتك يا طَلّ.. ليستْ كَكُلِ الحكاياتِ التي نسمعُها كلَّ يومٍ ثمَّ ما نلبثُ أنْ ننساها .. إنَّ حكايتكِ من تلك الحكاياتِ التي أوجعتْ عقلي وقلبي فلم أستطعْ نسيانها.. عقلي يأبى أن يُصدق أنَّ فتاة في عُمُر التاسعة عشرة تُغتال أنوثتها ونَضارتُها وتُلقى في غياهبِ السُّجُون.. بسببِ مقالاتٍ خطَّتها أناملها الرقيقة».
هذه هي بعض فصول الحكاية لصبية أوجعت قلب أهلها ثم قلوب الكثير من أحرار وشرفاء هذا العالم.. وحكايتها هذه وحكاية غيرها من الصبايا الحرائر ستبقى عالقة في ذاكرة التاريخ لتشهد على ظلم المتجبرين في الأرض.. ولتشهد أن تيك الحرائر أنموذج للجيل القادر على إكمال مسيرة التغيير حتى تشرق شمس الحرية التي ستكون أشعتها بإذن الله حارقة لكل الظالمين والطغاة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن