داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
جاءت مرحلة الاستقلال فاستقلت معظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية، ومن الجدير بالذكر أن الفكر القومي العربي والأحزاب القومية العربية والشخصيات القومية العربية هي التي قادت التغريب في مرحلة الاستقلال، ونفَّذت ذلك من خلال المناهج التي صاغتها في مختلف المجالات الفكرية والتربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلخ. وذلك بعد أن حكمت معظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية، ومن أبرزهم جمال عبد الناصر في مصر، وحزب البعث في سوريا والعراق، وهواري بومدين في الجزائر، ومعمر القذافي في ليبيا، وجعفر النميري في السودان، وعبداللّه السلال في اليمن... إلخ.
لكن الفكر القومي العربي وأحزابه وشخصياته خسرت قيادة الأمة إثر هزيمة عام 1967، حين احتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية، وبرزت الصحوة الإسلامية، يقودها التيار الإسلامي، وحاولت هذه الصحوة أن تدحض مشروع التغريب بشكل كامل، ولكنها لم تنجح إلى الآن وهي في معركة مستمرة معه.
والقِطرْية هي التهديد الثاني لهوية الأمة، وقد جاء ذلك من خلال تجزئة الأمة إلى أقطار متعددة، كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، فقد كانت بلاد الشام وحدة جغرافية واحدة، فتجزأت رسمياً إلى أربع دول هي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.
والأخطر في قضية القِطْرية هو تحويل هذه الأقطار إلى أمم مستقلة، وهذا ما يعمل عليه الغرب ودعاة القِطْرية، فهم يؤصِّلون لهذه القِطْرية في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية... إلخ، لتصبح هناك أمة أردنية وهناك أمة عراقية وهناك أمة مصرية، وهناك أمة سورية... إلخ. ولتصبح الحدود القائمة بين هذه الدول حدوداً نهائية، كالحدود بين دولتي فرنسا وألمانيا مثلاً، وهذا ما تراهن عليه المخططات الخارجية من أجل إنهاء وجود هذه الأمة الواحدة.
ومن الجدير بالتسجيل أن هناك فرقين بين التهديدات القديمة والجديدة لهُوّية الأمة، وهما:
الأول: وجود علماء مطلعين على الدين الإسلامي بشكل عميق في القديم من جهة، ومطلعين على ثقافة الخصوم بشكل تفصيلي من جهة ثانية، وهو ما لاحظنا مثالاً دقيقاً عليه في الإمام أحمد بن حنبل الذي تصدى لأكبر هجومين على هُوّية الأمة وهما اللذان صدرا عن الزنادقة والباطنية، ورأينا أن العاملَين اللذَين ساعداه على النجاح في مواجهة تلك التهديدات ليس هذا فحسب؛ بل في التأصيل للمواجهة لكل العصور التالية، هما وعيه العميق بالإسلام من جهة، وإدراكه التفصيلي لمحتوى ثقافة الخصوم من زنادقة وجهمية وباطنية من جهة ثانية.
وهذا هو ما نفتقده في المرحلة الحاضرة، فتجد أن كثيراً من العلماء لديهم اطلاع على الثقافة الإسلامية، وليس لديهم اطلاع على الثقافة الغربية، وقليل من العلماء المعاصرين هم مَن توفَّر فيهم الاطلاع على الثقافتين الإسلامية والغربية.
الثاني: وجود تدخل دول وهيئات خارجية في توجيه التغريب وتشجيعه ومتابعة شؤونه وقيام دعم خارجي له بالمال والإعلام والسلاح إن اقتضى الأمر، وغياب هذا التدخل الخارجي في دعم الحركات المهددة لهوية الأمة قديماً.
هذا التدخل الأجنبي الخارجي يزيد في خطر التغريب على هوية الأمة، فليس الأمر مقصوراً على صراع طائفتين من أبناء الأمة على أمور فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية... إلخ. وقد ارتفعت وتيرة التدخل الخارجي بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول بشكل صريح وعلني، فأصبح هناك تدخل على مستوى الدول الكبرى في المناهج الثقافية والتربوية للأمة.
فهناك طلبات بإلغاء مناهج دينية معينة، وحذف آيات وموضوعات معينة... إلخ. وهناك لجان من قبل أميركا من مثل مشروع "الشراكة الأميركية الشرق الأوسطية" للترويج لقيم الحرية وحقوق الإنسان بمفهومها الغربي... إلخ. وهناك مشاريع سياسية من قبل الدول الكبرى الصناعية من مثل "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي يهدف إلى إيجاد هُوّية جديدة للمنطقة تكون إسرائيل إحدى دولها الرئيسية.
وهناك لجان تشكلت بقصد مراقبة المجال الثقافي ومعاقبة مَن يثير أي كلام تجاه اليهود، وهناك لجان إعلامية لمراقبة ومعاقبة مَن يثير مشاعر الكراهية تجاه الآخرين بالمعنى الغربي، وهناك لجان تسعى إلى نشر الإباحية والمثلية بدعوى حرية المرأة وتحقيق الحرية الجنسية للفرد... إلخ.
وهناك برامج لتوسيع دائرة اللغة الإنجليزية مع التراجع الواسع للغة العربية على مستوى الخطاب والتعامل... إلخ.
ومما يزيد في خطورة الوضع أن مَن لا يلتزم بهذه القرارات ستلحقه العقوبات عن طريق المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي، أو الهيئات التابعة للأمم المتحدة، أو الدول الكبرى... إلخ.
عرضنا - باختصار - لما يهدد هُوّية أمتنا في المرحلة الحاضرة، وليس من شك بأن تلك الأخطار كبيرة وتشكل تهديداً حقيقياً لهُوّية أمتنا، ويأتي على رأسها - كما ذكرنا - خطر التغريب والقِطْرية.
ومما يزيد في وتيرة هذين الخطرَين التدخل الخارجي السافر في كل شؤون حياتنا الثقافية والاجتماعية والتربوية... إلخ. ويقتضي هذا الوضع من أصحاب الفكر والرأي والعلماء الغيورين على هذه الأمة أن يتصدوا لهذه الأخطار بكل إمكاناتهم، وينبهوا الأمة عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشرف موقع منبر الأمة الإسلامية | الكويت
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة