كاتب في القضايا الفكرية، محاضر ومقدّم دورات في التربية، له مؤلفات ومقالات منشورة.
https://www.facebook.com/tahayassen1980
عندما تُشاهَد الصورةُ بألوانها وأصواتها، بحركاتها وآهاتها؛ يصبح الكلام عنها -مهما كان مهَوَّلاً ومبالغاً -مجرد إخبار؛ كما هي سائر الأخبار..
وعندما تتكرر الصورة ويتكرر المشهد نفسه، تتكرر صور الأطفال الذين يذبحون كالنعاج، وصور النساء اللائي تُسحب جثامينهن من تحت الأنقاض، وصور الأجسام المجندلة فوق بعضها بعضاً من آثار تعذيب المعتقلات، وصور الهارعين من بيوتهم، وصور المهجّرين من أرضهم وبلدهم، وصور الخيام المغروسة أوتادها في الوحل والثلج في دول الجوار...
عندما تتكرر تلك المشاهد صباح مساء على مرأى العالم ومسمعه تغدو بالتدريج مشاهد مألوفة، ثم مشاهد عادية.. مثلها مثل صور الأفلام والمسلسلات.
كانت قد أفزعت مشاهديها وأمسكت عليهم حِسَّهم في أول مرة، ثم تناقص تأثيرها في النفس حتى أمكن للمشاهد أن يراها وهو يحتسي قهوة صباحه أو يداعب طفله أو يتناول غداءه , وما ذلك إلا لأن مناعة عجيبة من نوع خاص أصابت مشاعره اسمها "مناعة فقد الحِّس".
أذهلت الأحداث السورية في مرحلتها الأولى العالم كله، فكانت كالصدمة الكهربائية، تهز القلب هزًا.. كانت مشاهد تعذيب حمزة الخطيب وذبح أطفال "كرم الزيتون" و"الحولة"، وحرق جثث أهالي "القبير".. مشاهد يندى لها جبين البشرية و تذوب لها أكباد الوحوش ...!!
ثم دواليك ألفت النفوس تلك الزلازل الحسية وتعايشت معها. وبقي السؤال يدقّ جرسه في الخاطر الإنساني: هل المناعة الحسية والخدر الضميري يبرران للعالم أن يتفرج لا ينبس بكلمة حق؟! ويبرران للقتلة والمجرمين أن يدفعوا بوحش الموت المرعب ينهش الأرواح والبيوت والأرزاق ؟!!.
ها قد مضت السنة الخامسة من عمر الثورة السورية ولا زالت الدماء الزكية تسيل، ولا زالت الدموع الطاهرة تذرف، ولا زالت الحرب تطحن الأخضر واليابس، ومنظمات حقوق الإنسان لا تعرف من الإنسانية شيئاً، وحكومات العالم المنافق لا يعنيها سوى التنديدات والتهديدات والمؤتمرات..
أين قوميّو العرب؟! ألم يصدّعوا مسامعنا طيلة ما يزيد على نصف قرن بالوحدة العربية، والتضامن العربي، والمصير المشترك!!
واليوم تُدَكّ خاصرة عربية بكل أنواع الإبادة والتدمير، وهم أصنام يبصرون ولا ينطقون..
هل كانوا يدافعون عن العروبة أم عن كروشهم وعروشهم..!!
أين علمانيّو ويساريّو العرب ؟! ألم يمللونا من دفاعهم المزعوم عن مدنية الإنسان وحضارته، خائفين عليه، وأيما خوف، من أن ينقاد للدين..!!
وأين دفاعهم عن المرأة التي كانوا لا يُدخلون ألسنتهم في أفواههم بزعم الدفاع عنها وعن حقوقها..!!
ها هي اليوم تُقتل وتُغتصب وتُسحل وتُعتقل وتثكَّل وتهجَّر.. وهم هجّع ساكتون، هل انضموا لحزب الشيطان الأخرس؟ أم أنّ دفاعاتهم وصراخاتهم كانت ضجات المنافقين..!!
لقد كُشف الغطاء اليوم عن زيوف أولئك وأكاذيبهم، وأنهم لم يكونوا في ما مضى إلا نعالاً نتنةً في أحذية الغرب.
وما كانت انبطاحيتهم الخسيسة لماسونيات الغرب؛ بحيث يبيعون فيها كرامتهم ودينهم ووطنهم، وإن اقتضى الأمر عِرْضَهم في مقابل لُعاعة من الدنيا؛ إلا منطق السيد الذي يأمر والعبد الذي يطيع..!! وأنَّ مُهجَّرًا جائعًا جالسًا في كسف خيمته لَأشرف من هؤلاء الدجالين بجملتهم..
ثم إذا نظرنا إلى أسيادهم الغربيين, الذين يتلاعبون الأدوار اليوم بالكرة السورية، مرة في مرمى أمريكا وأخرى في مرمى روسيا، وهم يتراقصون على جثثنا ومشاعرنا وأحلامنا؛ فأنّى نُحسن الظن بهم!! قال كبير مفكريهم "نعومي شومسكي" : إن روسيا تنفذ الخطة الأمريكية باقتدار، وتساعد دورها المنافق.
وما تداعى أولئك الغربيون وعبيدهم من بني جلدتنا علينا إلا لسببين اثنين:
1- الدين؛ نعم، إن الغرب يعي أن في نجاح الثورة السورية عزَّ الإسلام وبعث روحه من جديد، وفي هذا البعث قلق ترتجف له فرائصه, لأن فيه دفناً لحضارته.. لجبروته.. لتحكّمه بالعالم، وأنه ما لمع نجمه اليوم إلا في حُلْكة الظلام الذي ساد المجتمع العربي..
وهذا العداء ليس حديثاً، قالته بصراحة رئيسة وزراء بريطانيا "تاتشر" في الثالث من شباط عام 1990م، على إذاعة لندن بالعربية آنذاك: كان أمام الغرب عدوّان اثنان؛ الشيوعية والإسلام، وقد تم القضاء على العدو الأول دون أن يُقدِّم الغرب أي خسارة تذكر، ويقف الغرب اليوم كله في خندق واحد لمجابهة العدو الباقي؛ وهو الإسلام.
وهذا سر الغزو الغربي لنا، لحياتنا وأقواتنا.. وهو تصوير قوله تعالى: ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)[الأحزاب:10].
2- أمْن "إسرائيل"؛ لا ينكر مبصرٌ تغلغلَ اللوبي الصهيوني في الحكومات الغربية، وتحكّمه بالقرار الغربي أيَّما تحكّم.
ولا ينكر أن إعدام سورية شعبًا وأرضًا، والإجهاز عليها؛ هو بشرى العين الإسرائيلية، والأمل الذي تبتغي من ورائه نعيم الأمن الطويل..
أما الولوج إلى بوابة النصر المبين للشعب السوري المتعب فلا يكون إلا بعاملين اثنين لا ثالث لهما:
1- الفرار إلى الله : قال تعالى: ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات:50].
وقال تعالى:( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [العنكبوت:22].
2- وحدة الصف: قال تعالى:(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )[الأنفال:46]. وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا".. وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. ( البخاري:481).
ومن هنا لا يخفى أن اللجوء و الاعتماد على أميركا وغيرها ضربٌ من الحماقة والجنون، وهو فرار من عدو إلى عدو.. واستنصار الماكر والخبيث على الظالم..!!
ألمعُت وأُلمع مجددا بأن قضيتين مركزيتين ترسمان اليوم خارطة العالم الحديث، هما الثورة السورية والانتفاضة الفلسطينية، تمخران عباب بحر تتلاطم فيه أمواج البعيد والقريب.. الطاغي والغادر.. لكن أقول وبإيمان مطلق إن هذه السفينة العظيمة ماضية رغم كيد الكائدين، وأنها لن ترسُوَ إلا على "جُودي" الإسلام العزيز.. عَلِم هذا من علم وجَهِله من جهل..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
كاتب في القضايا الفكرية، محاضر ومقدّم دورات في التربية، له مؤلفات ومقالات منشورة.
https://www.facebook.com/tahayassen1980
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن