كاتبة
الريادةُ وحفظ الأمانة
ما تزال سفينةُ الأمانِ تتهادى نحو مدِّ الواقع الممتحن في الأرض حيث عشعش الفسادُ وماتت الضمائر وشاع الكذب وكثرت الخيانة، وجزر العدو المتسلط الذي طغى وبغى وأرغى وأزبد وقد ملأ الأرض جوراً وظلماً وعتواً وكبراً.
ولا تزال العواصف تتلاعب بالسفينةِ والشراع يمنةً ويسرة وأهلُ السفينةِ تعلقت أبصارهم، وترجرجت أقدامهم، وهلعت صدورهم مابين حيرةٍ واضطراب لا يخافون إلا أن يُؤتَوا من قِبل تقصيرهم، وقلة حيلتهم، وسوء تدبيرهم،خاصةً وأنهم يعرفون أن اللّه تكفّل لهم بالنجاة والأمان والسلامة والسلام فيما لو أحسنوا في أمرين اشترطهما -سبحانه -عليهم ولايصلح الحالُ إلا بهما:
• الشرط الأول: أن يصلحوا أحوالهم فيما بينهم وبين خالقهم، وأن يأخذوا بالعهودِ والمواثيقِ التي تعهّدهم بها، وأن لايضيّعوا ما استوثقه منهم، وهذا ليس بالأمر الصعب الشاقّ، وليس بالسهل اليسير، ولكنه ميسَّرٌ قريب لمن قررَّ أن يأخذه برضوانِ اللّه ويُصرّ على الانقياد لمنهجه وشرعه مهما كلَّفه الأمر، خاصةً وأن اللّه قد وعده أن ييسّر له ذلك أيّما تيسير، بل ويهديه ويفتحُ له كلّ أبوابِ الخيرِ والفلاح، ولتدرّ له ينابيع البركةِ والتوفيق.
• أما الشرط الثاني: فهو أن يصلحوا سفينتهم ما استطاعوا إلى ذلك من تخطيطٍ، وتهيئةٍ وإصلاحٍ مابين ركّابها، وتنظيمٍ لأحمالها وأثقالها، وتقويةٍ لحبالِ الشراعِ ونشرٍ له تحت وهج الشمسِ وضاءً جلياً، وتسديد الوجهةِ ومساعدة الربّانِ لتشق عبابَ الموجِ إلى شاطىء الأمن والسلامة، ولأنها بدون هذا الجهد سرعان ماتتحطم على صخرة الأماني السقيمة والآمالِ الحالمة، والطريق المسدود الذي لا منفذ لها منه أبداً.
وهذان الشرطانِ إنما هما مقياسان أساسيان، يعرفُ أهل الريادةِ أنه لا مستقبل للنجاةِ بدونهما مهما ادّعى مكابرٌ أنه سيعتصمُ من الموجِ بالجبال، ومهما سلك من طرقٍ لتتشعب به الطرقاتُ إلى جبالٍ وعرةٍ ينسفها ربي نسفاً، أو يغمرها بأمرٍ منه موجاً عاتياً يبتلعها ويبتلعُ كل مَن استكبر عن الخضوعِ لقوانينِ السماء.
وإنها لسفينةٌ مسيّرةٌ بأمر اللّه لن ترسو على الجوديّ حتى يجود أهل الريادةِ فيها بكل ما يملكون لتثبيتِ أركانها.
ولن يُعذر ركّابُ السفينةِ لمجردِ أنهم نجوا من الطوفانِ في سفينتهم، ثم مالبثوا أن غفلوا عمّا يلزمُ ذلك من تدقيقٍ في استقامة ركابها عن الإفساد فيها، وتمحيصٍ ودراسةٍ لتجاوز العقبات والمفاوز، وفهمٍ واستيعابٍ لتصحيح المسار وقد تشعبت الدروب، مع تواصل حبال الدعاءِ والتضرعِ والإنابةِ التي تربط مادية الإنسان بعالمه السماوي الفسيح ولا صلاح لأمره إن لم يرنو بفؤاده واثقاً مطمئناً؛ مع صدق الالتجاء إلى المولى القدير وحده.
بل إنّ مجالدة روّاد السفينة بين الأمواجِ الصاخبةِ العاتية، والأرضِ المغرَقةِ وقد أُترعت كؤوس الضياع، مع ثقتهم بصبح قريب لَيوقفنّهم على مسؤولياتهم الجسام في تبنّي مناشدة النجاة: أن اركب معنا؛ سواء إن ركبوا السفينة لنجاتهم أو إن ركبوا رؤوسهم غروراً وكبراً.
ولايزال النداء صادحاً برفق التبنّي وتلطّف الحنوّ: يا بني اركب معنا.
حتى تستوي سفينتنا آمنة مطمئنة محفوظة بوعد اللّه، ولتثمر القلة المرجوة عمارة أرض طاهرة؛ وقد انتفى عنها الخبث وأشرقت الأرض بنور ربها..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة