طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
رسالة إلى حبيب
قرَّرت أن أخرج عن المألوف وأن أبوح لكَ بما يجيش في صدري ويعكِّر صفوَ حياتي، على الرَّغم من أنَّني أدرك تمام الإدراك أنَّكَ ستبقى كما أنتَ مهما أخبرتكَ عن الإعياء والألم الّذي سبَّبتَه لي طوال فترة ارتباطنا.
لقد كنتُ في كنف أهلي أنعُم بجمال الحريّة؛ و يا له من شعور. لقد كنتُ أخرج مع صديقاتي فلا أجد مانعًا، ولا ألمس من قِبَلهم أيَّ استياء، وأشارك في الأنشطة المختلفة فأجد منهم التشجيع والثّناء. أمّا الآن، فأجد نفسي في قفص لا أجد للخروج منه من سبيل... كم أفتقد أهلي... صديقاتي... حرّيّتي! لم أعد ألقى صديقاتي وأفراد عائلتي إلا نادرًا، والمحزن في الأمر أنّني عندما ألتقي بصديقاتي أسمعهنّ يتهامسن فيما بينهنّ " لقد أخذها منَّا"...
أنظرُ عبر الشُّرفة فأجدُ كلّ ما في الكون يشدّني إلى الخروج وإلى التأمّل إلى خلق الله، فيعتريني شوقٌ للخروج. ولكنّني أذكر حينها أنّك منعتني من الخروج مرّاتٍ عدّة، وقلتَ لي:" تأمّلي في داخلي أنا... وستدركين عظمة الله..." طأطأتُ رأسي حينها ولم أجد ردًّا سوى الموافقة.
آهٍ منك يا حبيب... كم أنتَ متطلّب، وكم أنت صعب المراس. أعطيك معظم وقتي، وأتركُ فضلته لنفسي؛ وتُطالب بالمزيد، أعطيك ليلي ونهاري ولا يكفيك، بشتّى الطّرق أحاول أن أرضيك، ومهما بذلت من جهد أبقى مقصّرة معك... آهٍ منك كم أرهقتَ أعصابي... ألا ترى خوفي عندما تمتحنني بين الفينة والأخرى؟ ألا ترى قلقي من أسئلتك المتكرّرة التي تزداد صعوبةً يومًا بعد يوم؟
أحبّك ولا أستطيع أن أنكر، أحبّك ولا أستطيع أن أُخفي... في صعوبتك حلاوة وفي تعبك نعيم... كلّ شيء متعلّق بك يرسم على وجهي ابتسامة رضى؛ لباسك النّاصع، أدواتك الغريبة، كتبكَ الكثيرة، حتّى الأفاعي أحببتها؛ لأنّها متعلّقة برمزك! كم أحبّ صفاتك الحميدة التي لا تزال في تزايدٍ يومًا بعد يوم؛ كم يجذبني إليك علمك الواسع، ودماثة أخلاقك، ورقيّ طبعك، وإنسانيّتك اللّامتناهية... أحبّك ولا أستطيع أن أنكر أنّك تزداد جمالًا...
صحيحٌ أنّك تقسو عليّ وتبكيني أحيانًا؛ ولكنّني أثق بأنّك تأخذ بيدي نحو العُلا، وأثق بأنّك تصقلني كي ألمع في فضائك، وهل يضرّ الألمُ النَّاتج عن الصَّقل بعد رؤية اللّمعان والبريق؟ سامحني أرجوك على ما قلته آنفًا، فأنت تستحقّ أكثر من كلّ ما أبذله من أجلك... أحبّك، فأنتَ حلمي، وأنت قدري، وأنت رسالتي، وإن أخلصتُ لك نفعتُ بكَ الإسلام وفزْتُ بالجنان. أحبّك أيّها التحدّي الرّائع، أحبّك أيّها الشّديد المانع، أحبّك أيّها الحذق البارع... أحبّكَ يا اختصاصي... أحبّك أيّها الطّب!
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة