لحظة من فضلك؟
يُخطئ المعلمون الجدد عندما يمدحون التجاهل والمتجاهلين، ويرفعون من شأن النفس، ويقدمون مصالحها، ويسخرون من قول القائل: كن كالشمعة تحترق لتضيء للآخرين الطريق..!! ويُعدّون الاهتمام بالسائل بلاهةً ومضيعة وقت... ويرَوْن أن الإعراض عنه ذكاءٌ وحصافة، وأكثر من ذلك يسمونه بالتجاهل الذكي...!
و ما اسمه في ميزان العدالة الإنسانية لو تعلّم: إلا جفاء اللئيم.
ذلك أن الصورة الخلقية للإنسان بشقّيها السماوي والأرضي تحتاج للإنسان الآخر، تحتاج لقلبه ولسانه ويَده، وهذه الحاجة حقٌّ لمستحقّها، واجب على مَن هو أهلٌ لبذلها بنص قوله تعالى: (وأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ).
و ليس بخافٍ ما يصنع السؤال في نفس السائل من حَرَج .. كان معمر الأزدي رحمه الله يقول: " من أقبح المعروف أن تحوج السائل إلى أن يسأل وهو خجلٌ منك، فلا يجيئ معروفك قدر ما قاسى من الحياء" ، فكيف إذا كان التجاهل والإعراض بعد السؤال..؟!
إنه غصَّة النفس وكسر الخاطر.
ثم ما أدراك بأن الذي تذهب إليه أعظمُ أجرًا من الذي زهدت فيه في طريقك؟! إن قيمة الأعمال بالإخلاص فيها، وليس بحجمها ولا بطول وقتها ، روى الطبراني في الأوسط: "من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين ".
إنَّ هؤلاء الذين تجاهلتهم بزعم أنك ذكي.. إداري ..!! _ وما تجاهلك إلا لكبر نفسٍ ورعونة أن وقتك لا يصلح للتعامل معهم _ هؤلاء هم أنت فيما مضى أو أنت فيما سيأتي.. لأن دولاب الدنيا يدور ولا يتوقف ؛ بحكم قوله تعالى : (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
و من عجيب بُخل المُعرِض أن لا يسع الناس ماله ولا لسانه ولا حتى ابتسامته..
وليس في برودة أعصاب المتجاهل خدرُ الألم من مشاكل الحياة _ كما يبرر لو رحت تنكر عليه _ بل هي الحاسة الغليظة في القلب القاسي.
إذ إن الذي في داخله قصة حزن..
والذي يبكي على أناس رحلوا من الدنيا..
والذي يعاني من الغربة..
والذي تعثّر في رسالة دعوة أو فشل في قصة حب..
لا يمكن للألم أن يخدِّره درجةً يتجاهل فيها الناس الذين ذاقوا مرارة ما ذاق، لأن للأحزان رَحِمًا يجمع أهلها.
بل الحق؛ إنَّ النكسات والأحزان هي الطريق لصناعة النفوسُ العظيمة؛ النفوس التي ترفق بالمتعبين والبائسين..
وأنَّ ما يتبجح به أولئك المعلمون واهٍ لا دالَّة عليه، إلا دالَّة اللُّؤم والقلب الأسود...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة