فتيات محجبات: يرتدين الحجاب في الغالب لأنّه زيّ للتبرّج
كتب بواسطة إيناس سلامي
التاريخ:
فى : شباب بنات
2821 مشاهدة
عرّبها: فيصل الملّوحيّ
لسنا بصدد الحديث عن ارتداء الحجاب بدافع دينيّ، الذي تريد به بعض النساء حين يخترن لبسه التعبير عن حيائهنّ وتقواهنّ ، ولا عن الالتزام بارتداء الحجاب الذي يفرضه الدين أو عدم الالتزام، بل عن تحولّ الحجاب إلى زيٍّ تتبرّج به المرأة كغيره من أزياء تُصمّم لهذا الغرض ويُسعى لتطويرها.
كان ذلك في البدء، مع بزوع أعوام الثمانينات حين ارتدت الفتيات الحجاب رغبة بالحشمة، فالتزمن بألوان داكنة غير زاهية، ولم يخطر على بالهنّ استخدام أيّ (ماكياج). ثمّ أعقبتها السنوات العشرون التالية فأخذ مظهر» بعض الأخوات «يتبدّل جوهريّا، و يتجه إلى إظهار حسنهنّ بلمسة أحدثها مصممو الأزياء، و كانت رغبتهنّ أن يساعدهنّ ارتداؤها على التبرّج.
وتلاحق انفتاح الشركات ( الإسلاميّة )على الخارج نتيجة العولمة التي لم يكن فيها الدين أكبر همّها. وصاحبه تزايد التحاق الفتيات بالدراسة وسوق العمل. فآذن كلّ ذلك بمستجدّات طارئة زجّت العالم في عصر الاستهلاك وأخرجت الحجاب عن مفهومه ( الدينيّ )، وسايرت الأزياء (الموضة ) وما يفرضه التبرّج الأنثوي. وخضعت الفتيات المحجّبات كالأخريات لهذه الطفرة التي تطغى على بلدان كثيرة من العالم الإسلاميّ.
◄هاك مثلا هذا النموذج المكرّر كثيرا: مليكة ( ذات الربيع الثاني والعشرين ) الطالبة في كليّة الحقوق الباريسيّة التي تقول: (نعم أنا أرتدي الحجاب، لكن لا تنس قبل كلّ شيء أنّي امرأة تحبّ أن تكون أنيقة وتضيف ألوانا زاهية على حجابها، أستخدم ( مكياجا ) خفيفا. فما كانت أبدا عفّة المرأة في إهمال مظهرها.
◄أمّا سامية ( ذات الربيع الخامس والعشرين ) مسوّقة البضائع هاتفيّا في شركة مبيعات فتقول إنّ عملها الذي تقوم به يفرض عليها مظهرها فترتدي الزيّ الملائم.(نعم أنا لا أظهر للزبائن في عمليّ التجاريّ، لكنّي أعمل مع آخرين. وعليّ ان أترك انطباعا حسنا بمظهري. أنا لا أطلب الإغراء، ولكنّي قبل ارتدائي الحجاب كنت أعشق التقليعة (الموضة ) ، أحبّ أن أضيف لحجابي مسحة متطوّرة). وعندما جوبهت بكلام بعض العلماء بأن الحجاب لا يجيز إظهار أيّة تقسيمات للجسم ردّت بكلّ بساطة (أنا فتاة محافظة ملتزمة بأداء عباداتي. ولقد أكّد لي إمام أن المطلوب الأوّل من الفتاة أن تضع الحجاب. فإذن أين المشكلة؟).
◄وأمّا فايزة ( ذات الربيع الرابع والعشرين) الأكثر حشمة والتزاما بعدم إبداء جسمها فقد اختارت العباية ( رداءا طويلا فضفاضا متصلا بالحجاب) بغية عدم إظهار أيّة تقسيمات للجسم في شكلها الخارجي: (عندما نزمع ارتداء الحجاب علينا أن نلتزم تماما بمفهومه: فمن الحياء أن أبديَ شيئا من شكلي. أزمعت أن أضع حجابا ذا لون داكن، لا أستخدم ( المكياج )، إنّما الشيء الوحيد الذي أدلّل به نفسي أن أهذّب حواجبي).
◄و أمّا حفيظة (ذات الربيع الثالث والعشرين) فوجهها الجميل يقطر غنجا و حبورا تصاحبهما جاذبيّة هوليوديّة صارخة تفرض عليك بخاصّة أن تعبّر عن مشاركتك الوجدانيّة!
(المسكرة) لتلوين عينيها بلون السرو صاحبتها خلفيّة خفيفة من لون الكستناء مع أحمر شفاه فاقع، فهي بكلّ هذا تشرئبّ إليها أعناق الرجال والنساء على سواء، بل منهم ملتحون ضعفت رغبتهم بالنساء: (تصوّر أن» إخوة« بلحى كثّة استوقفوني ليطلبوا الزواج منّي. وما علموا أنْ ليس كلّ طلب للزواج يستهويني، إنّما أطلب زواجا يمتّع نفسي ، وليس سوى متعة نفسي، فإن كان كذلك استمعت إلى طالبه. لن يحرفني إيماني العميق بالله عن مواصلة السير في هذا الدرب. سوف أقبل العرض الذي يستهوي روحي وقلبي. لا يحكم الناس إلا على ما يظهر منك. لم أختر أن أكون جميلة وليس في ذلك غرور. وعندما أتزوّج – إن شاء الله – لن أُغيّر شيئا من حالي، ولن أترك جانبا مني لا يتألّق لزوجي وأولادي).
◄أمّا ليلى ( عمرها تسعة عشر عاماً) هاوية لعبة ال(سكواتش ) التي تحرص على مسايرة التقليعة ( الموضة ) في مظهرها مع ما يلائم حبّها للرياضة فتقول: (ما أسعى إليه الراحة في ملابسي. قد يتعجّب بعضهم من حجاب أضمّ إليه لبس ( جينز ) ونعلين رياضيين. فأردّ عليهم من فوري: هل من نصّ في القرآن الكريم يحرّم لبس ( الجينز ) والنعلين الرياضيين؟
هي الرياضة خُلقت لها، أهوى الحركة والجري. وليس ما يلائمهما سوى( الجينز ) والنعلين الرياضيين، ولن يعوقني بهذا حجابي على رأسي).
◄ وتجيب نبيلة الحلّاقة اختصاصيّة التجميل في المنطقة الباريسيّة (عمرها أربع وأربعون) عن سؤالنا:هل تتزايد عناية الفتيات المحجّبات بمظهرهنّ، فتقول: (لقد لاحظت هذا التغيير منذ عدة سنوات على نساء محجّبات متزوّجات أو غير متزوّجات. فهنّ نساء لا يختلفن عن عموم البشر. ولا يمنعهنّ لبس الحجاب من أن يطلبن كغيرهنّ تحسين وجوههنّ و تسريحات جميلة لشعورهنّ. وسيرى ذلك منهنّ أزواجهنّ لأنّهنّ لن يلبسن الحجاب أمامهم،وهن يردن أن يزداد تعلّقهم بهنّ ،ولا ننس أن من المفروض شرعا تحبّب المرأة إلى زوجها ).
◄ ولا تشكّ دليلة غير المحجّبة التي تدرس الفلسفة في السوربون (ذات الربيع الواحد والعشرين) في أنّ الحجاب يساعد على ترغيب الرجال بالزواج من صاحبته، فهم يتوهّمون أن المحجّبة فتاة محافظة لم تعاشر أبدا أحدا في حياتها. ولكنّ هذا محض خيال، فما كان للباس أن يجعل من المرأة راهبة عفيفة. ورغم إن ارتداء الحجاب يزعج بعض (الإخوة ) نرى عددا آخر يضعونه شرطا للزواج، وينسَوْن أن سلوك الفتاة لا يمكن أن تُقيّده قطعة قماش. ولا يغيب عن بالنا أن عددا من ( الإخوة)المتظاهرين بالورع يسترقون النظر. فما أكثر من يثيرون السخرية وهو يسترقون النظر إلى فتاة تعبر الطريق كما يصفهم جورج براسّان. ليس الأمر بهذه السهولة فما كان معنى الحياء متفقا عليه، ما أكثر ما يتبدل من مكان إلى مكان، ومن عصر إلى عصر).
يرتبط ارتداء الحجاب و طريقته إلى حدّ كبير بشخصيّة الفتاة وإصرارها أن تحافظ على ذاتها وأنوثتها. انظر إلى المجتمعات التي اصطبغت بقيم الاستهلاك واختلط رجالها بنسائها ، لقد تغيّر مفهوم الحجاب فيها، فأعطى للصناعة و التقليعات بعداً جماليّا، مستبعدا من حسابه التعريف الثقافيّ للجمال الذي يربطه العلماء بالحياء، ويجعلون الإيمان منبعه، مع أن هذا الربط غريب على مجتمعنا. وجابهتنا اليوم فكرة طارئة تتعلّق بالمواءمة بين رغبة النساء بالتبرّج وتصميم شكل الحجاب و ارتدائه.
المصدر : رواء الأدب
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن