داعية وكاتبة سورية | الدوحة
رمضان على موائد الكرام
يشاء الله أن يأتي رمضان على الشعب السوري للعام الخامس على التوالي وهو يموج موجًا؛ من شرق الوطن إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه؛ وقد اصطبغت تربته بأحمر الدم الطاهر، وحَلَّ الخراب والدمار رياضه الغنَّاء، ولم يبقَ في الوطن الحبيب إلا الأشاوس الأبطال والضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ، وكلهم مدافع غيور وبطل هصور..
كما يأتي رمضان على الشعب العراقي الأشمِّ للعام الخامس عشر، وفي كلِّ ساعة من ساعات تلك الأعوام الطويلة يقطر الدم الطاهر مسفوحًا، ليس له من ذنبٍ إلا أنه شعب مقدام مغوار متعلِّم سُني حرٌّ، وفي أرضه خيرات ثرية أسالت لعاب الغادرين السفَّاحين للانقضاض عليها بكل وحشية وهمجية..
كما يَقدُم رمضان اليوم، وستون عامًا دموية بكل ثوانيها ولحظاتها _ مرَّت على الشعب الفلسطيني الأَبيِّ الحر؛ وقد أُريقت خلالها شلَّالات الدم اللاهب الطاهر، والأحرار فيها يجودون بالغالي والنفيس، بالأبناء والآباء والشيوخ والولدان، ليذودوا عن عِرْض الأمة وكرامتها، وقد ذاقوا صنوفًا وألوانًا من العذاب والقتل والنفي والتشريد عبر الأجيال، لكن جذوة الحرية لم تَخْبُ في أيديهم يومًا.الملايين اليوم في منطقتنا وفي أرجاء العالم الإسلامي مشرَّدون محارَبون، على الهامش من العمل والتعليم والبناء. ونداء رمضان يبعث الحياة من جديد، ولو أدركنا البركة في الثروات ولو وسَّعنا لغيرنا لوسَّع الله علينا، ولو خطَّطنا لأولاد المسلمين كما نخطِّط لأبنائنا. ماذا لو تقاسمت كل عائلة طعامها مع عائلة منكوبة لها عدد الأفراد نفسه؟؟ ماذا لو خصصت كل عائلة مثل مصروفها تمامًا لعائلة أو أكثر؟؟ ماذا لو جعلت كل عائلة حصَّتها من اللحم أو الحلوى مرتين في الأسبوع أو أقل وآثرت غيرها من ذلك حصصًا متساوية؟؟ ماذا لو اختصرنا هدايانا بين بعضنا البعض وحصرنا شراءنا إلا من منتجات تلك الشعوب المنكوبة أو مما يرجع بعائداتها إليهم؟؟ ماذا لو خصصت الشركات يوم عمل واحد على الأقل في رمضان لدعم مشاريع التعليم والتنمية وأنشطة الشباب لأولئك المنكوبين المتضررين؟؟ ماذا لو جعلنا الصدقة عن أمواتنا كفالة طالب أو يتيم أو ثمنًا لماكينة لأرملة تستر نفسها وأولادها بالعمل عليها؟ ماذا لو اختصرنا حفلات الأفراح والأعياد والدعوات لنجعل ذلك كله في سبيل إنقاذ الأطفال من التشرد والضياع؟؟ ماذا لو أن كل مريض قدَّم أعطية في سبيل الله قبل أن يشتري أي نوع من أنواع الأدوية منيبًا مخبتًا، مع تمام يقينه بأن الشفاء بيد الله وحده، وأنه قد أخذ بأول أسباب الدواء؟ وماذا وماذا وماذا.. والكثير الكثير من موارد الخير يمكننا أن نشارك بها في مواكب الأجر والمثوبة، وأن ندفع عن أنفسنا بمنحة العطاء محنة الأخذ والاحتياج.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة