كاتبة ومحررة في مجلة إشراقات
المجاهرون بالفطر... ذلك اللحن النشاز
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: :( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج32].. وامتثالاً لقول الله تعالى عُرف عن المسلمين منذ فجر الإسلام تعظيمهم وتوقيرهم لشعائر الله ومنها شعيرة الصيام في شهر رمضان...
ومن مظاهر هذا التوقير أن حرمة نهار رمضان والمحافظة على مشاعر الصائمين كانت تُراعى من قبل أصحاب الديانات الأخرى؛ فكانوا يوقّرون شعور المسلمين فلا يأكلون ولا يشربون أمامهم في نهار رمضان. ويروي بعض المؤرخين أن أحد المجوس رأى ابنه يأكل في رمضان فضربه وقال له: هلا حفظت حرمة المسلمين في رمضان؟! وبعض هؤلاء كان يصوم رمضان بالفعل مجاملة للمسلمين كالأديب أبي اسحاق الصابي.
وبقي المسلمون على هذا حتى نبتت فيهم نابتة سوء، عندما لجأ البعض من شياطين الإنس إلى ارتكاب جريمة من الجرائم التي تحدث عنها فقهاء الشريعة، وهي "انتهاك حرمة نهار رمضان" من خلال الإفطار علناً باسم الحرية.. فأصبحوا "شواذ رمضان".
(إشراقات ) جمعت بعض الآراء والحالات في هذا التحقيق ننقلها لكم، فإلى ما جاء في التفاصيل ..
- اللافت للنظر حينما تذهب إلى الأسواق الشعبية في شهر رمضان المبارك أنك لا تشعر حقاً أنك في شهر الصوم فمعظم باعة الخضار والحلويات وغيرها مفطرين يأكلون يشربون ويدخنون وحين سألنا (أبو عصام) الذي يعمل في محل الحلويات في منطقة صبرا عن السبب تحجج بالتعب والإرهاق.
- ظاهرة جديدة بدأت بالتفشي وهو أكل النساء في الشوارع، ولقد سألنا إحداهن فتعللت بالعذر الشرعي أما أخرى فتحججت بالصداع وألم الرأس والشعور بالدوخة كلما تصوم.
- سألنا أحد الشباب عن السبب الذي يدفعه للفطر في شهر رمضان المبارك؛ فألقى باللائمة على أصدقائه: هم من يشجعونني فأغلبهم إن لم يكن جميعهم لا يصومون لأسباب مختلفة: منهم من لا يقدر على تحمل الجوع والعطش بسبب الحر الشديد والنهار الطويل، ومنهم متهاون بهذه العبادة كتهاونه بغيرها مثل الصلاة مع أقرارهم بفرضيتها، ومنهم من يستهزىء بها، وهناك البعض من يودّ الاستمتاع في فصل الصيف في ممارسة رياضة السباحة فتدفعه هذه الرغبة إلى الفطر.
- سهام تحدثت عن مشاهد مخزية بدأت بالانتشار منذ بضع سنوات في كافيتيريا جامعتها وفي المقاهي المحيطة بها وهي رؤية كثير من الفتيات ومنهن محجبات يأكلن ويدخن النارجيلة في شهر رمضان المبارك وتعزو السبب برأيها إلى رغبة الفتاة بتقليد زميلاتها وإثبات جرأتها واستقلاليتها وشخصيتها من خلال هذا الفعل وسبب آخر هو جهلها بتعالين دينها إذ لو أنها كانت معذورة فالواجب عليها أن تستتر.
- أما فاطمة فتحدثت بحرقة عن حال الجيل الناشىء من صبية وبنات تجاوزت أعمارهم 13 عاماً وهم لا يصومون وعندما تسأل أهليهم عن السبب تجده تافهاً إذ يمنعون أبنائهم وبناتهم من الصوم شفقة بهم لا سيما وأنه شهر رمضان في فصل الصيف والمشكلة ليست هنا فقط كما تقول فاطمة بل عند من يصوم من الأولاد إذ يتأففون ويتذمرون من رؤية أترابهم مفطرين وهم لا، والمشكلة الأكبر عنما يكبر هؤلاء وهم غير معتادين على الصوم... رحم الله آبائنا وأمهاتنا الذين كانوا يعودوننا على الصيام ونحن صغار جداً.
- ميادة أخبرتنا عن جارهم الدرزي وأولاده الشباب الذين يحترمون شهر رمضان المبارك أكثر من جيرانها المسلمين إذ أنه في هذا الشهر الفضيل لا يأكل ولا يشرب في دكانه، ولا يسمح للشباب المفطرين بذلك ومن يقوم بهذا الأمر يطرده من دكانه والعجيب أنه يستمع طيلة الوقت إلى القرآن الكريم، وحين يؤذن المؤذن يذهب إلى منزله لتناول طعام الإفطار مع أنه لا غير صائم وحين سألناه مرة عن السبب أجاب: أحب أجواء هذا الشهر ففيه روحانية. أسأل الله تعالى أن يشرح صدره للإسلام.
- محمد (يعمل في مهنة الحدادة) ليس له من اسم نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) نصيب، فهذا الشاب الذي يقطن في أحد الأحياء الشعبية معروف بين جيرانه بسوء دينه وخلقه فما أن يأتي شهر الصوم يتعمد دعوة جيرانه من الشباب إلى تناول الإفطار أو الغداء (وعلى حسابه الشخصي) ومراودة من يصوم منهم على الفطر نكاية بجيرانه الصائمين، وتنهمر السباب والشتائم والكفريات على كل من تسول نفسه نصحه بلطف أو زجره بعنف. وحين تسأله بلباقة عن السبب الذي يجعله يتصرف على هذه الشاكلة يجيبك بالقول: أنا لا أصلي ولا أصوم لأني لا أؤمن بالله أصلاً.. ثم أنا حرّ.. حدا إلو معي شي؟! وأكثر ما يؤلم منظر أمه وهي تدعو له بالهداية وشعورها بالخجل منه.
وحول هذا الموضوع التقت مجلة (إشراقات) الداعية وعضو رابة الأدب الإسلامي العالمية الأستاذ نبيل جلهوم من مصر حيث أجرينا معه الحوار الآتي:
1. إشراقات: ما هي الأسباب التي تدفع البعض للفطر في شهر رمضان المبارك بغير عذر؟
- ضعف الوازع الديني- سوء التربية والسلوك داخل الأسرة - عدم اهتمام الوالدين بمهمة تربية الأبناء على معاني الإسلام والفضيلة وسبل استجلاب رضا الله والظفر بالجنة - غياب الموت والحساب عن تفكير المفطر عمداً وعدم اكتراثه بما يدور حوله من جنائز تشيع يوماً بعد الاخر - عدم تدريب الأبناء من الصغر على الصيام وتحفيزهم - رفقاء السوء وما أدراك ما رفقاء السوء الذين يزينون السوء خيراً والخير سوءا .
2. إشراقات: ما الحكم الشرعي لمن يفطر بغير عذر ويجاهر بالفطر فى شهر رمضان؟
- لا شك أن الفطر في نهار رمضان بغير سبب شرعي كبيرة عظيمة، وخطأ كبير لا يصح لفاعله أن يقوم به. فإن كان الفطر بسبب الجماع كان أعظم من غيره، لأن من جامع في نهار رمضان متعمداً وجب عليه القضاء والكفارة وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. أما من أفطر بالأكل أو الشرب ونحوهما فلا يجب عليه إلا القضاء في قول أكثر أهل العلم، لكن يلزمه التوبة والاستغفار، لأن الفطر بدون عذر شرعي معصية عظيمة. فالأمر إذن يستوجب الندم والتوبة الى الله.
أما المجاهرة بالفطر فى نهر رمضان فهذه معصية أخرى كبيرة تضاف على المعصية التى سبقتها من الإفطار بدون عذر؛ فالله لا يحب الجهر بالسوء إلا من ظلم. والذي يفطر جهاراً أمام الناس مثله تماماً كالذي ستره الله مع زوجته ثم أصبح ينشر خبر مافعله معها ليلاً وستره الله عليهما ثم يأتي هو ويفضح بها نفسه على مسامع الخلائق. فالذي يفطر عمداً ننصحه بالقول إذا بليتم فاستتروا ولا تتجرءوا على الله فمن تجرأ على الله يكون قد أدخل نفسه فى حرب معه سبحانه ومن دخل فى حرب مع الله حتما سيقهره ويخزيه.
لذا فنحن ندعوهم إلى الحياء من الله قبل الناس. فالله يستحي من العبد إذا رفع يده اليه أن ينزلها صفراً فكيف هم يعصونه لا يستحيون منه ويجاهرون فيكون عصيان ومجاهرة .
3. إشراقات: كيف نقضي على هذه الظاهرة الآخذة بالتفشى عاماً بعد عام؟
- القضاء على الظاهرة يستلزم تخلية وتحلية لأطراف وأمور عديدة: تخلية لنفوس هؤلاء المفطرون من الدخن الذي يسيطر على عقيدتهم وفهمهم للدين ثم تحلية بوعظهم وتوجيههم بالحسنى.
- تخلية للأهل من بعدهم عن الدين أو عدم فهمهم الصحيح له ثم تحلية بالتخلّق بأخلاق أصحاب الاخرة ودفعهم إلى الفهم الصحيح للدين الحنيف؛ فالبيت أساس كل خير فإذا انطلق الخير والفهم الصحيح منه ترسخت المفاهيم وتصححت الأمور.
- كذلك لا بدّ وأن يكون للدولة دور بفرض غرامة على من يضبط مجاهراً بفطره واعتبار ذلك مما يجب التعذير عليه والحساب بمادة ينص عليها فى القانون.
4. إشراقات: ما هو الدور المأمول من الأهل - الدعاة - وسائل الاعلام؟
الأهل:
- القدوة الحسنة من الوالدين بأن يكونا هما أول الصائمين داخل الأسرة - بث روح وجمال الاسلام وتبيين وشرح أركان الدين الخمسة التى ذكرها النبي (ص) فى حديثه المشهور: بُني الإسلام على خمس ومنها الصيام - احتضان الأبناء منذ الصغر ورعايتهم الرعاية التربوية الرشيدة المعتدلة فيشجعونهم على الصيام شيئاً فشيئاً ويرصدون لهم الجوائز والمكافآت التشجيعية.
الدعاة:
- الوعظ الحسن من خلال البرامج التلفزيونية والمحاضرات وخطب الجمعة وتوزيع المطويات التي تُحبب الناس فى الصيام بعد تبيين ما فيه من خير وفلاح وطاعة لله، وأن الإفطار بدون عذر من الذنوب الكبيرة عند الله والتعاون مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية لحمل حملات بهذا الخصوص.
وسائل الاعلام:
- دورها فى الأهمية لا يقل درجة عن دور وأهمية الدعاة من خلال تقديم المنوعات الرمضانية المباركة التي تحث الناس على الصيام، وتوضح لهم أن أمتنا لا يمكن أن تنهض وتقود الأمم إلا إذا احترمت مظاهر الإسلام فى الارض ومنها الصيام والصلاة وغيرها.
6. إشراقات: نصيحة توجهها لكل من تسول له نفسه الفطر هذا العام.
- اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها.
- تفقه فى أمر دينك، واعلم أنه من لم يحترم مظاهر الإسلام فهو عاص قد تجرأ على ربه.
- تفكّر وتدبر جيداً وتخيّل أن منيتك قد جاءتك وملك الموت قد أتاك وأنت على هذه المعصية ماذا ستقول لربك؟
- تب إليه واستغفره وارجع اليه.. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له.
- تذكّر أنك في نعمة عظيمة أن خلقك الله من أبوين مسلمين دون جهد منك ولا سعي نحو ذلك..
- هب أنك كنت قد خلقت من أبوين على غير ملة الإسلام؛ كيف كان حالك سيكون؟ ببساطة كنت إلى النار أقرب .. فلا تحرم نفسك من طاعة ربك واعقد النية على عدم الإفطار بدون عذر وعلى عدم المجاهرة بذلك ولا بأي معصية.
- أخير اعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
اللهم بلغنا رمضان ونحن أصحاء على الايمان والإسلام، وفرّج قبله كرب إخواننا فى سوريا يا أرحم الراحمين.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة