كاتبة ومحررة في مجلة إشراقات
رمضان.. في عصر التكنولوجيا
يأتي رمضان من كلِّ عام مشرقًا بروحانيته ليفرض علينا - شئنا أم أبينا - وقفةً مع ذواتنا التي تتصارع فيها مُغريات الحياة وتطوراتها، خاصة في مجال التقنية والتكنولوجيا، التي أصبحت تستنزف من أعمارنا ساعات طويلة يوميًا، ربما كان الأجدر بنا استخدامها في أشياء مفيدة، خاصة ونحن في شهر الصيام..
وإزاء التقصير الحاصل في استغلالنا المنشود لهذا الشهر.. تتباين الآراء عند الناس، فالبعض يدعو إلى مقاطعة تامة لهذه الوسائل خلال هذا الشهر، والبعض الآخر ينصح بتنظيم الأوقات..
البداية من التحقيق الميداني
• تقول سهام الكيلاني (طالبة في كلية الإعلام - جامعة بيروت العربية): "لنفترض أن شخصاً قتل أحداً باستخدام السكينة، هل يصبح استعمال السكينة محرَّمًا؟ كلَّا، فالفعل هو المحرَّم، وليس المفعول به... كذلك الأمر بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعية، يمكن استغلال هذه الوسيلة بالأمور المفيدة، والخطأ الذي يُرتكب باستعمال تلك الوسائل يتحمله الشخص وليس الوسيلة".
• وعددت كارين البغدادي (صيدلة) الفوائد التي نجنيها نتيجة استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي في رمضان قائلة: "التواصل صلة الرحم، بعث دعاء يومي خلال 30 يومًا، عمل غروب لإنهاء جزء من القرآن الكريم كل يوم "ورغم أنها تُلهي عن العبادات إلا أنّ كارين ضدَّ مقاطعتها في هذا الشهر الكريم".
• وتحدث أحمد السباهي (طب- الجامعة الأميركية) عن إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي في رمضان: "حملات التذكير والتوعية على طاعة الله، إضافة إلى نشر سريع لدروس دينية يومية أو أدعية أو أحاديث نبوية، أو إعلان عن حالات اجتماعية يجب مساعدتها... أما السلبيات فتتمحور حول اللهو بالمحادثات عن المسلسلات والأفلام والأمور الدنيوية الأخرى... ومع ذلك لست مع مقاطعتها، ولكن يجب تجنب أو تخفيف التركيز على الأمور الدنيوية التي تعوَّدنا عليها باقي الأشهر حتى نجعل هذا الشهر الفضيل مميَّزًا أكثر، وجالبًا للحسنات"، ولقد توقف أحمد عند الأسباب التي تؤدي للانشغال عن الطاعات فقال: "بالطبع لوسائل التواصل الاجتماعية أثر مهم في ذلك، ولكن هناك أسباب أخرى منها الاهتمام بالأعمال اليومية من دراسة أو عمل داخل أو خارج المنزل، والواجبات الأسرية من زيارات عائلية وزيارات للأصحاب، إضافة إلى ملازمة التلفاز لمتابعة أجدد المسلسلات والبرامج الرمضانية المسلية للبعض".
• ولقد علَّقت ســارة سنــو طرابلسي على الموضوع قائلة:"أنا ضد المقاطعة ولكني مع الاتزان في استعمالها، أي أن نستعملها ضمن حدود، فالاستخدام الزائد لهذه الوسائل يلهينا عن فروضنا".
مؤكدةً أن وسائل التواصل الاجتماعي والمسلسلات الرمضانية تقلِّل من روحانيتنا، وتسرق من أوقاتنا وتخفف من همتنا وعزيمتنا على أداء الطاعات والعبادات في هذا الشهر الكريم.
مع الإحصائيات
بحسب تقرير أعدته شركة توب TOP“ The Online Project”_ المتخصِّصة في وسائل الإعلام الاجتماعي _ عن اتجاهات استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في تسعة بلدان في منطقة الشرق الأوسط خلال شهر رمضان المبارك بما فيها البحرين، ومصر، والأردن، والكويت، ولبنان، وعُمان، وقطر، والسعودية والإمارات، وتحديد مستويات المشاركة والأوقات التي يستخدمون فيها هذه المنصَّات؛ فإنَّ استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية في دول الشرق الأوسط يزداد بنسبة 30% طوال أيام رمضان، وتقابله زيادة في عدد ساعات استخدام الفرد لوسائل التواصل الاجتماعي.
وجد أن الموضوعات الدينية والموضوعات الصحية المتعلقة بشهر الصوم فرضت نفسها على معظم الأوقات في جميع البلدان العربية، وأكثر ما غرَّد به العرب في شهر رمضان؛ فتجد هاشتاجات مثل #أذكار الصباح والمساء #نشر سيرته #أخطاء شائعة في رمضان و# فائض طعام رمضان و#دعاء رمضان #رمضان كريم و#صحتك في رمضان تنتشر في معظم البلدان العربية، وموضوعات أخرى متعلقة بوصفات الطعام احتلت مساحة ليست قليلة على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، فكان لـ (هاشتاج) مثل: #وصفات رمضانيـــــة و#وصفــــــــات طبخ #وصفات رمضان، حضور كبير في بلدان عربية كثيرة منها مصر والكويت والسعودية والأردن.
وجاءت أكثر التغريدات في المنطقة خلال شهر رمضان باللغة العربية؛ فقد غرد بالعربية 68% من المغردين في كل من مصر وقطر، بينما غرد 94% بالعربية في الكويت و86% في السعودية و 79% في عمان و 61% في العراق، وغرَّد أهل البحرين بالعربية فقط خلال رمضان وجاءت أكثر التغريدات في كل من لبنان وفلسطين باللغة الإنجليزية.
في لبنان تحديدًا:
إيجابيات وسلبيات
أدلى المستشار التربوي نزار رمضان دلوه في هذا الموضوع قائلًا: "وسائل التواصل الاجتماعي مثل أي آلة أو فكرة؛ لها ما لها وعليها ما عليها، فالإيجابيات في تلك الوسائل كثيرة منها: وجود مجموعات تنموية وتربوية ودعوية يجد المرء نفسه فيها، يمكن أن يقوم المرء بمجموعة من المشاريع الرمضانية التي تخدم الشهر الفضيل مثل مجموعات (أهلًا رمضان).... صفحة للقراءة والختمات... صفحة للمحاضرات اليومية..
• وكذلك السلبيــات كثيرة منها: إضاعة الوقت وإيثار الراحة والكسل، الاستدراج السهل للانتقال من الضروري للحاجي ثم التحسيني ثم الترفيهي ثم الذنب، إيثار الأنا والعزلة الاجتماعيـة، ضيـاع الهدف وسط كمِّ الوسائل والموضوعات".
وأضاف عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية نبيل جلهوم: قد تُسبب خسارة كبيرة في الوقت، قد يندم المرء عليها بعدما يجد أن الوقت قد سُرق منه دون أن يستفيد الاستفادة المرجوة في الطاعات التي تتزاحم أجورها المباركة في الشهر المبارك، وذلك خاصة إذا لم تكن للمرء القدرة والخبرة على التحكم في نفسه _ قد يُرهق جسده في التواصل مما يؤثر سلبًا على قوته الجسمانية وطاقته البدنية في مواصلة أعمال البدن كصلاة التراويح وغيرها_ قد لايسلم من الجدال مع الغير على مواقع التواصل؛ وهو الأمر الذي يجب على الأقل أن يتجنبه في صيامه حتى لا ينسى نفسه ويدخل في جدالات، صحيح أنها قد تفيد.. إلا أنها مع الصيام والحاجة للطعام والشراب ربما تزيد التوتر وحدة النقاش مما لاطائل ولا خير فيه _ يكون المرء عرضة للمعصية مما يقلل الخير الذي يمكن أن يحصله فى شهر هو فى أمس الحاجة لتجميع الحسنات بدلًا من السيئات.
• أما الإيجابيات منها: متابعة أوضاع الأمة _ سهولة التواصي بالحقّ بين الناس _ سهولة التعرف على الأحكام الخاصة بالشهر والاستفادة من رؤى العلماء ونصائحهم في رمضان مما يساعد على الصيام الأمن من الخلل.
• وحين سألنا: هل أنت مع مقاطعة هذه الوسائل في هذا الشهر الفضيل؟
أجاب الدكتور نزار: "لست مع أو ضد، ولكن مع التوازن والإرادة والإدارة.. لا بدَّ من خطة مكتوبة ولها متابع قبل رمضان، ثم تصنيف وسائل التواصل بين الأهم والمهم، والخروج من البرامج والتطبيقات غير المهمة، ثم تحجيم المهم، مثل الخروج من بعض المجموعات، وتحديد ساعات لعدم الاستخدام تمامًا مثل عدم اصطحاب المحمول للمسجد تمامًا وأثناء الورد اليومي، الانتقال من الأنا إلى نحن سواء داخل الأسرة كأنْ يكون هناك خطة ومراقبة جماعية وتعاون ومركب واحد أو في العمل أو كصحبة وجيران، أن تكون الخطة مكتوبة ومعلقة، رسائل تذكير بصورة البروفيل بكل وسيلة باستثمار رمضان، مشروع دعوي جماعي بأحد وسائل التواصل الاجتماعي كأسرة أو صحبة، ولكني أفضِّل الابتعاد عنها تمامًا بالعشر الأواخر، وكذلك بعض الساعات والأيام تدريجيًّا.
ورأى الأستاذ نبيل جلهوم أنَّ تحديد الوقت أوَّلًا قبل الدخول لمواقع التواصل هامٌّ جدًّا، وكذلك الاعتدال في الاستخدام في هذا الشهر عامة مطلوب؛ خاصة إذا كان يصعب على البعض التوقف عنها بالكلية. وقال: " قد يصعب الاستغناء عنها لارتباط صاحبها في أعمال وارتباطات دعوية أو ثقافية أو تجارية أو أسرية أو غيرها من التواصلات النافعة... كما يجب توقيف التنبيهات التي تكون في المواقع مع الإيمان الكامل بأنها بالفعل تسرق الوقت بحرفية منظمة ".
وأجابت الأديبة سهام صبرة الكسواني: "أسباب ضعف العبادات في رمضان تكمن في الشخص نفسه وليس في شبكات التواصل بسبب عدم توفر الوازع الديني، لأن مَن يكون عارفًا بدينه لا ضير عليه أينما كان؛ فشعاره دومًا بأن الله ناظر إليَّ.. إنّ الله مطلع عليَّ" وأضافت الأستاذة سهام: "علينا في هذا الشهر زيادة التمسك بالقرآن والإكثار من الصدقة وعمل الخير، وأن نقويّ علاقتنا بأرحامنا وتوجيههم نحو الطاعات والصفح والرحمة بهم".
• ماذا عن العلماء والدعاة.. هل يقاطعونها أيضًا؟
أضافت الداعية في جمعية الاتحاد الإسلامي روعة النابلسي (دراسات إسلامية): "لا أفضِّل للعلماء والدعاة ترك العامّة في رمضان بدعوى شحن طاقاتهم الدعوية والتفرغ للنفس؛ لأن ترك الساحة بالكلية سيكون سببًا خطيرًا ليملأه الأعداء بكل مغريات الشيطنة التي تدكُّ توجهات الناس للعبادة وتحرف نياتهم ".
• ما الحل؟
أجابت الأخت روعة: " ينبغي التقليل من استخدام هذه الوسائل في شهر رمضان العظيم لمَن ديدنه التواصل بشكل وثيق، وبالأخصِّ مَن يتخذها وسيلة ترفيه وتسلية ولَهْوٍ، فذلك مَدعاة لتضييع الزمن الثمين المبارك ليله ونهاره. فليحرص مَن كان يعتاد على ذلك أن يتجنب قدر استطاعته فوات الوقت الثمين في شهر الفرص والنفحات الربانية، فلا يعلم المرء هل سيبقى لما بعد رمضان!!!، ولكن حقيقةً؛ مهما حاولنا تجنبها فلن نستطيع، لذلك أنصح نفسي وغيري أن نرسم خطة نستثمر بها هذه الوسائل؛ بحيث أنها تكون مُعينًا لكسب ثمار وجوائز رمضان عبر الاقتصار على نشر ومتابعة مواقع التزكية و المشجعات على كسب الحسنات ونهل العلم الشرعي والدعوة إليه، ولا أُغفل مواكبة شؤون المسلمين والتفاعل مع قضاياهم الذي لا يتم إلا عبر هذه الوسائل. والله المستعان".
وحتى نُصعّد من وتيرة إيمانياتنا وعباداتنا وطاعاتنا في هذا الشهر الكريم، نصح الأستاذ نزار رمضان بالآتي: القراءة في إيمانيات هذا الشهر، الاستماع لرقائق رمضانية، التخطيط المحكم للشهر، تحويل المشاعر إلى مشاريع، المؤاخاة الربانية، البحث عن القدوة الرمضانية، الاعتكاف والإصرار عليه، ممارسة تمارين الإحماء: رغبة القلب وهو مخاطبة الشعور من فرحة وإخبات، وإرادة العقل من فوائد صحية وبدنية وروحية لرمضان، تخيل كل جميل وطاعة وما يترتب عليها في رمضان يوميًّا.
أما الأستاذ نبيل جلهوم فنصح بـ: "وضع جدول يحتوى على المستويات الأدنى التي يجب ألا ينزل عنها من الطاعات والعبادات، تجديد النية في كل عمل، ومن أول الشهر، ومع كل فُطور وسُحور وطاعة، تعدد النيات في كل أمر قبل القيام به، القراءة في سِيَر الصحابة والتابعين والصالحين؛ كيف كانت سيرتهم في رمضان، وكيف كانوا يتعاملون فيه مع القرآن والصدقات وسائر الطاعات، المحافظة على الصلوات في مواقيتها في المسجد للرجل وفي البيت للمرأة، التصاحب بصدق مع القرآن وزيادة الارتباط به بشكل مختلف، التعجل من بداية الشهر في إخراج زكوات المال لتحصل البركة في الشهر من بدايته، الحرص على أداء العمرة لمن يستطيع، الإيمان بأن الشهر قد لايتكرر من جديد والتعايش مع هذا المعتقد طيلة أيام الشهر؛ مما يحفز على التصعيد الدائم للطاعات، عدم نسيان مَن يستحق في هذا الشهر من التعاطف والتواصل المالي؛ خاصة هؤلاء الذين لا يسألون الناس إلحافًا، العزم في هذا الشهر على ضرورة تغيير النفس وإعادة هيكلتها وتخليصها من الشوائب، واسترضاء من أخطأ المرء في حقهم؛ الزوجة مع زوجها، الزوج مع زوجته، الأبناء الجيران، زملاء العمل".
***
ختامًا: نتوجه بالشكر لكل ضيوفنا الذين أَثْرَوا التحقيق بآرائهم وتجاربهم ومشاهداتهم..
وبدعوة الجميع للوقوف لحظات صدق مع أنفسنا..
نتخيّل فيها كيف كان حالنا في رمضان السنة الفائتة!!..
ونعترف إذا كنا قد أخطأنا وضيَّعنا من أيامه ولياليه ساعات لم نقطف من خيراتها وبركاتها زادًا يغنينا في الدنيا والآخرة..
ونشحذ همتنا لرمضان قادم، بلَّغنا الله إياه... فهل نستفيد منه أو نضيعه هذا العام؟!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
موضوع جميل جدا ومفيد أيضاً....انا شخصياً قمت بترك جميع وسائل التواصل الاجتماعي وذلك لكي اقوم بالتفرغ لعبادة الخالق سبحانه وتعالى والحمد لله قمت بوضع برنامج لنفسي في بداية رمضان والحمد لله قمت بتطبيقه حرفياً وبرنامجي كان ينص على ان اقضي كل وقتي بعد العمل طبعاً في قراءة القرآن والصلاة والذهاب للجامع لأجل صلاة التراويح ...واشكركم جميعا ..والحمد لله رب العالمين على جميع نعمه ..وانا شخصيا لاجئ كردي سوري مقيم في اقليم كردستان. .