بعد الزواج…صديقتي تغيرت!
*كانت صديقتها الوحيدة المقربة….تحكي لها أسرارها و تبث لها شكواها و تشاركها فرحها و طموحاتها…ثم تزوجت الصديقة…و ابتعدت…و تغيرت….و أصبحت قليلة السؤال و الكلام و كثيرة الأعذار و المشاغل فهي إما مع زوجها أو أهل زوجها أو لا ترد مطلقا على الإتصالات الهاتفية…و أصيبت الصديقة غير المتزوجة بالإحباط و الحزن و الوحدة و قليل من الغضب لأن صديقتها العزيزة تخلت عنها من أجل رجل…من أجل زوج (قد) يتركها أو يخونها! و راحت الصديقة غير المتزوجة تشكو للأخريات من ظلم الصديقة المتزوجة التي (باعت) الصداقة من أجل الزواج! هكذا ببساطة تخلت عنها من أجل زوجها!
هذه باختصار شديد مشكلة الكثير من الفتيات….يشكين من “خيانة” الصديقة المتزوجة لهن ومن (بيعها) للعشرة من أجل الزوج!
و المشكلة كما تبدو لي تنبع من سوء فهم هؤلاء الفتيات لمعنى الصداقة الحقيقي…الصداقة بالنسبة لهؤلاء الفتيات تقع في أول الأولويات…قبل الأسرة…قبل العمل…قبل الدراسة…
تدور حياتهن و تتمركز بشكل كبير حول الصديقات و هذا في حد ذاته سبب من أسباب المشكلة…
يقول شون كوفي صاحب كتاب العادات السبع للمراهقين الأكثر فعالية: إن الذين تتمركز حياتهم حول الأصدقاء غالبا ما يشعرون بالحنق و الوحدة و الغيرة عند حدوث أي تغيير في ظروف أصدقائهم الحياتية” و يضيف شون كوفي بأن هذا الشعور المليء بالغيظ و الحزن و الغضب ينتج من وضع الأصدقاء في غير مكانهم الصحيح من ناحية و من عدم تقدير ظروف الأصدقاء من ناحية أخرى.
بعبارة أخرى، إن الصداقة إذا أخذت أكبر من حجمها، قد تتحول إلى مشكلة حقيقية….
من تشعر بالغضب أو بالغصة من زواج صديقة لها ليست إنسانة سيئة و لا غيورة لكن مشاعرها مضطربة و لم يتم توجيه عواطفها نحو صديقتها بالشكل الصحيح…
كل ما على هذه النوعية من الفتيات هو إعادة لترتيب الأولويات في تفكيرهن و خلق علاقات متوازنة بينهن و بين صديقاتهن…
و أقول لكل فتاة تشكو من بُعد صديقتها عنها بعد الزواج…حاولي رجاء أن تتفهمي وضع صديقتك…..و هذا الوضع قد يمر عليكِ أنتِ أيضا يوما ما….
عندما تتزوج أي فتاة، فهي تدخل عالما آخر! عالم غريب و جديد عليها تماما و قد يكون مخيفا بعض الشيء…و الفتاة (الزوجة الجديدة) إذا كانت عاقلة و واعية، فإنها ستقوم ببذل جهد كبير للانخراط في هذا العالم و محاولة فهمه و فهم نفسها فيه و خلق مكان مناسب لها في هذا الجو الجديد….ستحاول فهم زوجها و تحاول التأقلم و التكيف مع الوضع الجديد…هذا في حد ذاته أمر صعب جدا و مسؤولية كبيرة تشكل ضغطا عظيما على أي زوجة جديدة و لكن هذه مرحلة طبيعية في أي زواج قد تستمر إلى سنة أو سنتين أو أكثر بحسب طبيعة الزوجة و الزوج و البيئة التي يعيشان فيها…إنها مرحلة اندماج و فهم و تفهم و تفاهم …إنها مرحلة تأسيس البناء الزوجي و تأسيس الأسرة…إنها مرحلة تأسيس و إرساء القواعد التي سيستمر عليها الزواج…إنها مرحلة وضع النقط على الحروف و وضع الخطوط الخضراء و الحمراء…
و في ظل هذه المرحلة الحرجة من حياة الفتاة، تجد من صديقاتها الاتهامات ببيع الصداقة و تفضيل الرجل عليهن بدل من أن يدعمنها لتعيش حياة زوجية هانئة! يشكلن ضغطا نفسيا إضافيا على الزوجة الجديدة…هي ناقصة؟
بدل أن ينسحبن بأدب و هدوء ليتركن لها مساحة التأقلم مع حياتها الجديدة، فهن يطاردنها بالاتصالات و يتهمنها بخيانة الصداقة إذا لم ترد عليهن أو تخرج معهن!
سبحان الله! منذ متى كانت الصديقة أهم من الزوج؟ منذ متى كانت الصداقة أهم من بناء الأسرة و تأسيسها؟ الصداقة علاقة سامية و جميلة لكن ليس من الطبيعي أبدا أن تكون الصداقة على حساب الحياة الزوجية!
لماذا تضع الفتيات أنفسهن في كفة مقارنة أصلا بينهن و بين الزوج؟ الزوج له مكانته في قلب المرأة و الصديقة لها مكانتها أيضا بكل تأكيد و لكن للصداقة حدود و لا حدود في الزواج! إن ما يحدث بين الصديقات لا يصل و لا لنسبة 5% مما يحدث بين الزوجين!
إن الصداقة لا يمكن أن توضع أبدا في كفة واحدة مع “الميثاق الغليظ”!
بعد الزواج صديقتك بحاجة لبعدك قليلا….و هي سوف تعود لكِ بنفسها تدريجيا عندما تصبح مستعدة…و أحيانا قد تتأخر العودة و قد لا تعود لظروف كثيرة لا علاقة لها بكِ….أيا كان وضعها، تمني لها السعادة و عيشي حياتك، فأنتِ أيضا يجب أن يكون لكِ عالمك الخاص! صديقتك إنسانة مستقلة و تعرف ما تفعله …و هي لم تذهب خطيفة لدى وحش! هي فقط أصبحت زوجة لرجل لا تعرفينه..بينما هي تعرفه و قد تعشقه أكثر مما تتخيلين!
بعد الزواج بفترة ستعود لكِ صديقتك لكن لا تتوقعي أن تعود كما في السابق!
الصداقة لا تعني أن تخبرك بأسرار زوجها!
الصداقة لا تعني أن تخبرك بخصوصياتها و حياتها كزوجة!
الصداقة لا تعني أن تخرج معكِ كل يوم وقتما تشائين…هي ملتزمة بإنسان آخر و مرتبطة به و بمواعيده و ظروفه و لابد من أن تنسق بينها و بينه حتى تستطيع أن تخرج معك…و أنتِ عليك ِ احترام و مراعاة كل ذلك إلا إذا أردتِ أن تتسببي بمشكلة بينها و بين زوجها لا سمح الله!
قدري وضعها بدلا من أن تقفي حجرة عثرة في طريق حياتها الزوجية!
قدري وضعها بدل من (تسميم بدنها) بأفكار العجائز حول الرجال الخونة و (اللي ما لهم أمان)! الرجل لم تر منه صديقتك أي شيء مسيء و أنتِ تلوثين عقلها بهذه الأفكار المزعجة التي تعكر عليها هناءها و سعادتها من قبل أن يحدث شيء! و صدقيني لو كان زوجها سيئا، فسوف تكتشف ذلك قبلكِ و لن تحتاج لإرشادك و توعيتك! احتفظي بأفكارك السلبية عن الزواج لنفسك و تأكدي أن تنسي هذه الأفكار عندما تتزوجين و تسعدين بإذن الله! و إذا لم تكوني تؤمني بالزواج ولا تقدريه، فلماذا تحتاجين إلى صديقة متزوجة؟ صادقي غير المتزوجات و دعي المتزوجة تعيش حياتها!
قدري وضع صديقتك المتزوجة و احترميها جدا و تفهمي بُعدها….صديقة كهذه تستحق كل تقدير و احترام لأنها تريد إنجاح زواجها…لأنها تقدس الحياة الزوجية …لأنها ليست فتاة مستهترة لا تعرف معنى المسؤولية!
لا تلحي عليها بالأسئلة أو الاتصالات…خصوصا الاتصالات الهاتفية! و الله عيب جدا أن تزعجي صديقتك بالاتصالات و الرسائل المتكررة بينما قد تكون هي في أحضان زوجها!
للبيوت حرمة…و الصداقة الحقيقية لا تنتهك الحرمات و لا الخصوصيات! مشكلة الكثيرين في مجتمعنا أنهم لا يعرفون حدودهم و لا يدركون معنى الخصوصية!
الأسرة أولا ….و العمل ثانيا…و الصداقة ثالثا…هذه هي الأولويات الطبيعية حسب تقدير الكثير من اختصاصي تطوير الذات الأمريكيين (حتى لا تقولوا عني رجعية و متخلفة!) هذا كلام أجمع عليه كل من الدكتور فيل ماجواير و ستفين كوفي و شون كوفي و أنتوني روبنز و كثير غيرهم! هذا الكلام يجمع عليه كل من يعرف أن الأسرة هي أساس كل مجتمع صالح و منتج و مثمر….و هذا لا يعني التقليل من أهمية الصداقة لكن يعني وضعها في مكانها الصحيح…و إذا كانت الصداقة أولوية بالنسبة للبعض، فالزواج أولوية للبعض الآخر …كل ما علينا هو احترام أولويات الآخرين و عدم الحكم عليهم أو فرض أولوياتنا عليهم.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن