بلا أب...
يجهز الجدّ حقيبته استعداداً للسفر، عمرو وأخوه سعد يراقبان المشهد حزينيْن.
قال عمرو: أرجوك يا جدي ابق معنا مدة أطول.
- قال الجد: لا أستطيع يا عمرو، انتهت إجازتي، ولديّ أعمال أقوم بها. لكن سأعود لأراكم ثانية بإذن الله في وقت آخر.
قال عمرو: قد وعدتني بأن تحكي لي قصة سيدنا عيسى عليه السلام، فهل تسافر دون أن تفعل؟
ضحك الجد واحتضن عمْراً وسعداً، وقال: بل سأرويها لكما الآن قبل أن أسافر. هيا اجلسا إلى جواري.
- سأل الجد: هل تعرفان مريم؟
قال سعد: ابنة خالتي؟
- قال الجد مبتسماً: ابنة خالتك مريم، لكني سأحدثكم عن مريم أخرى. إنها مريم بنت عمران، كانت امرأة صالحة مهذبة تحب أن تتعبدّ لله، دخل عليها الملك جبريل عليه السلام يوماً، وأخبرها أن الله سيرزقها بمولود.
تعجبتْ من ذلك وقالت: كيف يكون لي ولد دون أب له؟
قال جبريل: الله يريد ذلك ويقدر عليه، وهو يريده لحكمة.
سأل عمرو: وما هي هذه الحكمة؟
- قال الجد: سيكون ولدها نبيّاً، وأراد الله أن يولد هذا النبي بمعجزة.
مرت الشهور، وشعرت مريم بآلام شديدة في بطنها، فذهبت بعيداً عن الناس، وجلست تحت نخلة تذكر الله وتحمده، حتى ولدت مولودها.
كانت متعبة وخائفة، تفكر ماذا تقول للناس ولليهود الذين لن يتركوها وشأنها وسيوبّخونها وسيسألونها عن والد الطفل. وبينما هي كذلك حدثت معجزة من الله، فتكلم الطفل الصغير جداً، وقال لأمه: لا تخافي ولا تحزني يا أمي، وهُزّي جذع النخلة فتتساقط الرطب؛ فكلي واشربي وارتاحي؛ وإن سألك أحد فلا تجيبي والْزمي الصمت.
بعد أن أكلتْ وشربت وارتاحت، حملت مولودها وتوكلت على الله وتوجهت نحو البلدة.
ما إن رآها الناس حتى هاجموها بقولهم: من هذا الصغير؟ من أين جئت به؟ آه! فهمنا.. هو ابنك. لكن أين والده؟ إنك امرأة غير صالحة وقد كنا نظن ذلك. وأين تلك العبادة والتقوى؟ أكنت تكذبين علينا؟
لم تقل السيدة مريم شيئاً، وأشارت إلى المولود.
قال أحدهم: ولا تتكلمين؟ تريدين أن نتكلم مع المولود؟ كيف نكلم طفلاً في المهد؟ هل جُننتِ؟
وهنا حدثت المعجزة التي أذهلتهم، حيث تكلم عيسى المولود ودافع عن أمه، فقال: إني عبدٌ لله، وأنا نبيّ، وقد باركني الله وبارك كل أعمالي وتصرفاتي، وأوصاني بالصلاة والزكاة طول حياتي. وجعلني بارّاً بوالدتي مطيعاً لها محسناً إليها، ولن أكون يوماً ظالماً أو عاصياً لأمي الطيبة العابدة لله.
ومع أن اليهود سمعوا الصغير يتكلم إلا أنهم لم يكفّوا أذاهم عن مريم، وظلّوا يقولون في حقِّها كلاماً غير طيب ويتهمونها بالكذب وسوء الأخلاق.
كبر عيسى عليه السلام، وظلّ تأييد الله له بالمعجزات مستمراً حتى يصدّق الناس أنه نبي من عند الله، ويصدقوه عندما يدعوهم لعبادة الله، فكان يخبر الأولاد بما تخبئه لهم أمهاتهم في البيوت، وعندما تعلم الأم أن ابنها يعرف ما خبأت تتعجب وتسأله من أخبرك؟ فيقول: أخبرني عيسى. وكان يصنع من الطين طيراً فينفخ فيه فيطير بقدرة الله، ويمسح على عيني الأعمى فيبصر بقدرة الله، وأنزل الله له كتاباً اسمه الإنجيل ذكر فيه أن الله سيرسل نبياً بعد عيسى وسيكون آخر الأنبياء واسمه أحمد.
انتشرت أخبار سيدنا عيسى ومعجزاته والإنجيل وما ذكر فيه، وبالرغم من كل تلك المعجزات لم يؤمن به عليه السلام إلا ناس قليلون.
قرر اليهود بسبب حقدهم على عيسى عليه السلام أن يقتلوه، فخططوا لذلك، ولكن الله تعالى ألقى شَبَهَ عيسى على رجل آخر، فأخذوا الأخير وقتلوه وصلبوه على جذع شجرة، وظنوا أنهم قتلوا النبي عيسى، لكن الله يخبرنا في القرآن أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه.
سأل عمرو: وأين ذهب؟
- قال الجد: رفعه الله إليه في السماء، وسينزله في آخر الزمان وسيقاتل هو والمسلمون اليهود، وسينصرهم الله. وبعدها سيموت فعلاً بعد أن يخلّص المسلمين من شر اليهود.
قال الجد: انتهت قصتي يا أحبابي.
ثم ودّع الجدّ عمراً وسعداً، ووعدهما بزيارة أخرى، ووعداه بالتعلم من قصة سيدنا عيسى عليه السلام وسيتصلان به لإخباره ماذا تعلما منها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن