كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
بين الصبر والفرح رحلة تستوجب الوعي
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
إذا ما أتاك الدهـر يومـاً بنكبـة
فـأَفرِغْ لها صبراً ووسّـِع لها صــدرا
فإن تصاريـف الزمـان عجيبـةٌ
فيوماً ترى يُسراً ويوماً ترى عُسرا
ويمضي رمضان تاركاً فينا أبلغ الأثر من صبرٍ صحبنا ثلاثين يوماً على ترك ما أحل الله لنا، من أذان الفجر حتى أذان المغرب، لنتدرب على التقوى التي فُرِض علينا الصيام من أجلها، ونمضي مع درس الصبر نتفكر، أليست حياتنا مليئة بالصبر ؟؟
أليست مجبولةً على الكدَرِ والابتلاء.. مصيبةٌ تنزِلُ وأخرى تمضي، ألمٌ يحلُّ، وحزنٌ لا يملُّ، تارة تبدو حياتنا غابةً سوداءَ تتشابكُ فيها تفاصيلُ الأوجاع، حتى يضيقَ الصدرُ عن أنفاسِ صاحبِهِ، وتارة تبدو أشبهَ بجحيمٍ مستعر..
وهكذا إلى أن يُشرقَ في الأفقِ ذاكَ النورُ الذي ما إنْ يخطو في رحابِ النفسِ خُطوةً حتى يُحيلها إلى جنةٍ وارفةِ الظلال.
(الصبرُ ضياء) صدقَ رسولُ اللهِ صلى عليه وسلم.. الصبرُ ذاكَ النورُ الذي يشُقُّ حُجُبَ المصائبِ والابتلاءات ، فيُحيلُها من أحداثٍ تمثِّلُ نهايةَ الحياة إلى بابٍ لمرضاةِ الله
إنَّه كلمةُ السرِّ لإثباتِ قوةِ الإيمان ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الصبرُ عندَ الصدمةِ الأولى". الصبرُ قوةٌ في الإيمانِ وثباتٌ في العقيدةِ وثِقةٌ بأنَّ ما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى!
إنه ما فعلَه نوحٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ عندما لبِثَ ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً يدعو قومَهُ للإيمانِ باللهِ تعالى فلَمْ يستجِبْ منهم أحدٌ
إنه ما فعلَهُ إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ عِندما رمَاهُ قومُه في النارِ الملتهبة
إنه ما فعلَه أيوبُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وهوَ ممدَّدٌ في فِراشِه سنواتٍ طويلةً يُقاسي أشدَّ أنواعِ الألم والمرضِ...
إنَّه ما فعلَه رسولُ اللهِ صلى والصحابةُ الكرامُ رِضوانُ اللهِ عليهم وهم يُقتَلون ويُؤذَون ويُهانُون ويُضرَبون من قِبَلِ كفارِ قريش..
إنهُ الصبر... مفتاح دخول الجنة بغيرِ حساب... قال تعالى: (إنما يوفَّى الصابرون أجرَهم بغيرِ حساب)، بلا شكٍّ هو عَرضٌ مغرٍ لبلوغِ الجنةِ، أن نكونَ من الصابرين لندخُلَ الجنةَ بغيرِ حساب.
والصبرُ على البلاءِ مأجورٌ كلُّه، سواءٌ أكانَ البلاءُ خوفاً وجوعاً ونقصاً في الأموالِ والأنفسِ والثمراتِ أو كان شوكةً نشاكُها، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».
والصابرونَ يحظَون بمعيةِ اللهِ.. (إنَّ اللهَ معَ الصابرين)، وينالون محبةِ الله، (واللهُ يحبُّ الصابرين).
والصبرُ مفتاحُ الفرجِ ولكنْ... هل كلُّ صبرٍ هوَ مفتاحُ الفرج؟...
كمْ منَ المراتِ صبَرنا ولم يهتدِ الفرجُ إلينا؟ كم من المرات رددنا أن الفرج بات قريباً ونحن صابرون منتظرون ولكن لا الفرج جاء ولا لاح لنا طَيفُه!!
ذلكَ لأنَّ للصبرِ نوعَين: صبرٌ محمودٌ، وصبرٌ مذموم فعندمَا نصبِرُ على ابتلاءاتِ اللهِ التي لا يدَ لنا في صُنعِها، أو نصبِرُ على طاعةِ اللهِ بالتزامنا بما أمرَ أو ابتعادِنا عمَّا نهى عنه وزجر نكونُ في دائرةِ الصبرِ المحمودِ الذي نُثابُ عليهِ، والذي يكونُ مفتاحاً للفرجِ، أما عندَما نصبرُ على عُسرٍ حلَّ بنا صنعنَاه بأنفسِنا، أو كانَ لنا قُدرةٌ على إزالتِه فلمْ نحرِّك لذلكَ أيديَــنا، فبذلكَ نكونُ قد غَرِقنا في مستنقعِ الصبرِ المذمومِ الذي لا يعرفُ الفرجُ فيه طريقا...
نقعُدُ بعدَ الفشلِ منتظرينَ أن ننجح، نسكتُ على الظلمِ منتظرين أن يرحل، لا نفعلُ شيئاً في وجهِ الفرقةِ والنزاعِ والتشرذمِ منتظرينَ الألفةَ واجتماعَ الصف.. ننتظرُ وننتظرُ ونحنُ نقولُ: الصبرُ مفتاحُ الفرج، فلا الفرجُ يُقبل، ولا العسرُ يرحل.
فالصبرُ الذي يفتحُ بابَ الفرجِ هوَ الصبرُ على مشقةِ التضحياتِ لاقتلاعِ العسرِ وإزالتِه، الصبرُ على كلِّ ما يعترضُ طريقَ المسلمِ في تحقيقِ خلافته في هذه الأرض وعمارتها.
لا تنسَ عِندَما تتناولُ حبةَ الصبرِ كلَّ صباحٍ أنْ تنسُجَ في طريقِ الخلاصِ خيطا...
وأن تشقَّ نحوَ الخروجِ من نفقِ العُسرِ دربا... وأن توقدَ في دربِ الألمِ شعلةً ... وأن تمسحَ عن وجهِ الزمنِ دمعةً... فأنت أمامَ العسر بينَ خيارين:
إما أنْ تتدثَّر بالصبرِ وتلتحفَ بهِ منتظرا شمسَ الفرجِ أن تشرقَ وحدَها دونَ أن يقرِّب صبرُك أمَدَ شروقِها...
أو تتخذَ منَ الصبرِ زيتاً توقِدُ بهِ همَّتك... وتسرُجُ بهِ عزيمتَك... وتجعلُهُ مداداً تطبعُ به على جبينِ التاريخِ بصمتَك حتى إذا كانَ يومُ الخلاصِ لم تكن يداً سُفلى تصفق، بل كنتَ اليدَ العليا التي تعطي وتفعلُ وترفعُ وتعمِّر... وشتانَ ما بينَ اليدين !!
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة