أديبة وكاتبة | المدينة المنورة
لنتخيّل
في يوم تحمَّست لفكرة، ثم سعيتُ لتنفيذها، ودعوتُ الله، لكنها لم تنجح!
نفسي لامتني: تعرفين أنه شيء بعيد عنكِ، فلماذا سعيتِ له؟ حُمْق منكِ ما فعلتِ... وما سعيكِ إلَّا تضييع وقت وخسائر أخرى!
فتخيلت لوأننا متعلمون دون طلب العلم، دون الذهاب إلى المدارس والجامعات ومراكز التعليم، وأن المال يأتينا بلا سعي ولا عمل ولا وظيفة ولا خروج أو دخول ولا تفكير، وأننا نشفى دون الذهاب للطبيب أو أخذ الدواء، وأننا ننتصر في معاركنا مع خصومنا وأعدائنا دون عدّة وعتاد وتخطيط، وأن حاجاتنا مقضية دون أن نلجأ إلى الله.
حاولت أن أتخيل ذلك فعلاً، فوجدت أننا: سنبقى في منازلنا، لن نتحرك، لن ندخل أو نخرج، لن نفكر، لن نحاول، لن نطلب علماً ولا استشفاء ولا نجاحاً، لن نبيع أو نشتري، أو نزرع ونحصد، لن نعمِّر أو نتزوج وننجب ونربي... وسنبتعد عن الله، لأن كل شيء يأتينا دون حاجة إلى سؤاله والتضرع إليه سبحانه.
وتخيلت أيضاً أنّنا سنتحول عند ذلك إلى كتل دون عقل أو إلى كوماتِ كسَل أو إلى أشياء لا معنى لها ولا قيمة، سنكون شيئاً _لا يشبه حتى الحيوان _ يمارس طقوساً يومية دون متعة ودون إحساس، لن نشعر بمتعة الفوز بعد الجهد، ولا بنعمة الشفاء بعد المرض، ولا الرضا بعد الدعاء والمحاولات، ولا الشوق إلى الفرج وما يصاحبه من أمل ورجاء وصبر، ولن نسعد بنعمة الصحة والذكاء، ولن ننشط بالطاقة المتدفقة في أرواحنا وقلوبنا وأجسادنا، والأهم أننا لن نتلذذ بالقرب من الله والإحساس بمعيته سبحانه. نعم لهذه الدرجة! فعدم الأخذ بأسباب الأشياء سيجعلنا أمواتاً، بل أسوأ! فعلياً، سنعيش بناءً على مقاييس معينة منها التنفس والتكاثر والأكل، لكننا أموات بمعيار الحياة العادية، وما أبعدنا عن الحياة الطيِّبة..
وتذكرت أن الله سبحانه أمر نوحاً عليه السلام أن يصنعَ الفُلك ويحملَ المؤمنين عليه، مع قدرته سبحانه على أن ينجيَه وقومَه دون سفينة، لكنها دروس كثيرة أحدها تعليم الأخذ بالأسباب.
سبحان من جعلنا نسعى ونتقرب إليه بسعينا فنحيا، إن طلبنا علماً أو اخترعنا اختراعاً أو طلبنا رزقاً وساعدنا به أنفسنا ووالدينا وأولادنا ومن يحتاج، أو تزوجنا وأنجبنا وأحسنّا، ودعونا الله وعليه توكلنا ورجوناه ورضينا بما قسم وما أعطى وحمدنا... أليس كل ذلك حياة؟
ما أعظمك ربنا خلقتنا وعلّمتنا كيف نحيا الحياة السعيدة، وما أجمل ديننا الذي فهّمنا أن الأخذ بالأسباب مع الاعتماد على الله عبادة، بينما الالتفات إلى الأسباب فقط واعتبارها هي المؤثرة في المسببات شرك. معادلة جميلة ودقيقة، تجعلنا نتعلم كيف نتوازن فنعمل ونتّكِل ونرضى بالنتائج ونحمد الله فتهدأ نفوسنا وتطمئن إلى خالقها، ونعيد الدورة نفسها مرات ومرات حتى تنتهي آجالنا وتنتهي معها حياتنا، ونفوز بعدها بما عند الله وما عنده خير وأبقى.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
صحيح بدون جهد انتفى الحصاد ولكن في احيانا كثيرة يجهل الانسان قدراته ولايعطيها حقها فبعثرات بسيطة يحكم على نفسه بالفشل ويعتقد بإن المكان ليس له وحقيقة الامر هو الاحق به ...لذلك نناظل ونجاهد في تحقيق أحلامنا وتثبيت أقدامنا ونحارب اليأس بكل الأسلحة المتاحة ..