داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة التجديد في الدِّين الإسلامي، ودَعت إلى ذلك عدَّة شخصيات علمية، وتناولته عدَّة مؤتمرات، ولم يتوقف مثل ذلك الحديث عند حدٍّ، ومبدأ التجديد _ منذ البداية _ أمرٌ يَقبلُه الإسلام، وتنبَّأت به بعض الأحاديث وتحدَّثت عنه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: «إنَّ اللهَ يبعثُ على رأسِ كلِّ مائة سنةٍ مَن يُجدِّد للأمَّة أمرَ دينِها» صحَّحه الألباني.
وذكر بعض الدارسين عدداً من الأسماء التي اعتبروها مجدِّدةً خلال القرون الماضية، فاعتبروا عمر بن عبد العزيز رحمه الله مجدِّد القرن الهجري الثاني، والشافعي رحمه الله مجدِّد القرن الهجري الثالث... إلخ، ولو أتينا إلى العصر الحديث لوجدنا أن بعضاً من العلماء ساهم في تجديد بعض نواحي الحياة العلمية الإسلامية؛ فبعض العلماء ساهم في تجديد بعض أمور الفقه، وبعضهم الآخر ساهم في تجديد أصول الفقه، وإبراز الأحاديث الصحيحة، وتمييزها عن الضعيفة، من أمثال الزهاوي في العراق، والبيطار في سورية، ومحمد رشيد رضا في مصر، وعلاّل الفاسي في المغرب، وابن باديس في الجزائر، وابن عاشور في تونس... إلخ.
ومع كل هذا الكلام الإيجابي عن التجديد سواء على مستوى النصوص أم التاريخ أم العصر الحديث، فإن ذلك لم يُعجِبْ كثيراً من الباحثين المعاصرين الذين ما زالوا يرفعون عقيرتهم بالدعوة إلى التجديد؛ كمحمد أركون، ومحمد شحرور، ومحمد سعيد العشماوي... إلخ، والسبب في ذلك أنهم يريدون تجديداً كالذي أحدثته الحضارة الغربية في الدين المسيحي من ناحيتَي التنكُّر للآخرة والمقدّس والتنكُّر للغيب. وقد جاء هذا التنكُّر في أوروبا نتيجة ظروف خاصة مرَّت بها الكنيسة الغربية؛ إذ تَبيَّن لأوروبا أن مقدِّس الآخرة مدنَّس كما في حال صكوك الغفران التي ثار عليها الراهب مارتن لوثر في ألمانيا، واعتبرها امتهاناً للدِّين والإنسان، وتَبيَّن لأوروبا أن الغيب الذي تفرضه الكنيسة بخصوص انبساط الأرض وثباتها، وأنها مركز الكون: منافٍ للعلم، فكانت الحصيلة أنه لا بُدَّ من رفض هذا الغيب، واعتماد العقل من أجل التوصُّل إلى علم صحيح، والابتعاد عن سيطرة الكنيسة ودعاوي الكنيسة.
إن الحرص على تجديد مشابه لتجديد أوروبا، وقياس الحضارة الإسلامية على نموذج الحضارة الأوروبية هو الذي جعل بعض الدارسين لا يقبلون أيَّ تجديد؛ لأنه تجديد غير مشابه لتجديد أوروبا، ولأنه لم يُلغِ المقدّس من مفردات الدِّين الإسلامي، ولأنه لم يُلغِ الغيب من عناصر الحياة الإسلامية، والذين يقولون بذلك يتناسَون أن التاريخ الأوروبي غير التاريخ الإسلامي؛ فالتجديد الديني الذي عرفته أوروبا في عصر الأنوار جاء نتيجة سيطرة الكنيسة على الدِّين والثقافة والسياسة والفِكْر، وأدّى ذلك إلى أزَمات وُجودية هزَّت المجتمع الأوروبي، فكان لا بد من إبعاد السيطرة الكنَسِية عن الدِّين والثقافة والفِكْر والسياسة، وكان لا بُدَّ من إطلاق العقل والثقافة من أجل مواجهة أوهام وخرافات الكنيسة، ولا بُدَّ من إنشاء المجتمع المدني من أجل مواجهة المجتمع الكنَسِي، ولا بُدَّ من بناء علوم دنيوية في مواجهة العلوم الدينية؛ فالتاريخ الإسلامي لم يعرف كنيسة، ولم يعرف سيطرةً كنَسِيَّة، لذلك فإن التجديد الذي يجب أن يقوم به المسلمون يتطلب أن تكون له سَيرورة مختلفة عن السَّيرورة الأوروبية، وليس بالضرورة أن يَتمَّ من خلال إلغاء المقدّس، وإلغاء الوحي والغيب، بل يمكن أن يبقى الأمران ونزيد من تفعيل العقل، ونزيد من مساحة البحث والاستقصاء والمعالجة، ومن ثَمَّ معالجة الأمور الخاصَّة بالفرد المسلم والمجتمع الإسلامي التي يطرحها الواقع الإسلامي، مثل: طغيان الفردية، وضعف الجانب الجماعي في كيان المجتمع، ومثل الافتقار النفسي، والسلبية في مواجهة الأحداث المحيطة، وقلَّة التقويم لما يحدث حولنا...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
داعية فلسطيني ومفكّر | الكويت
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن