طالبة جامعية في كلية الطب | لبنان
من أجل الشمس
منذ أن فتح أفراد الجيل الجديد من الشعب أعينهم والغيوم الرَّمادية القاتمة لم تزل قابعة في سماء وطنهم. أخبرهم أجدادُهم عن حالهم قبل أن تمسي هذه الغيوم الحالكة جزءاً لا يتجزّأ من حياتهم. أخبروهم عن دفء الشمس الذي لم يعرفوه يوماً، وعن صفاء السَّماء الزرقاء الذي لم تتلقَّاه أعينهم قط.
ظلَّت الفئة الأخرى عازمة على إعادة دفء الشمس بدل التدفُّؤ بدثار واهن. صاحوا في النَّاس،" ألا ترون ما فعلت بكم هذه الغيوم! لقد جمَّدت عقولكم، قتلت فيكم الإبداع بسبب طغيان اللَّون الرَّمادي على حياتكم! لقد أصبحتم لا تميِّزون الأمور منذ أن توارت كرة النُّور، أتحبُّون حياة العتمة هذه؟! لقد أصبحتم أسرى في بيوتكم بعد أن توهّمتم من الخروج خوفاً من المطر المفاجئ! لقد أصبحتم شاحبين كالأموات، بل أنتم أموات، فالحيُّ لا يرضى أن يُسلب منه شيء تعسُّفاً، فكيف بالشّمس؟! "ردَّ عليهم العامّة السُّذّج،" ولكنَّها على الأقل تمطرنا كلَّ هنيهة، والمطر خير، لولاها لما نما نبات حقولنا".
ازداد حقد الفئة الأخرى وزاد حزنهم على سذاجة النّاس،" والصَّواعق والرُّعود؟ أنسيتموها؟ ألا تذكرون كم دمَّرت أحلام النّائمين بقصف رعودها، وكم أحرقت خيرات البساتين بنيران صواعقها، وكم أعمت عيون النّاظرين إلى العلا ببرقها...
في لحظة صفاء، تبدّلت عقول النّاس فتساءلوا،" كيف السّبيل إلى الخلاص، والغيوم تعلونا في كل وقت ومكان؟ وما العمل والغيوم ثقيلة ومترامية الأطراف؟" قيل لهم: " اخلعوا عنكم الدِّثار وارفعوا مشاعل الفكْر، فنوره سيبدِّد الظُّلمة... اخرُجوا من سجن بيوتكم وهواجسكم، وأروا الغيوم بأنّكم لا تهابونها!" جاء ردُّ الغيوم على عَجَل، فأنزلت وابلاً على رؤوس النّاس، فغرق منهم من غرق، وأطفأت نيران المشاعل، إلّا أن النّاس أبَوا أن تخمد الشعلة فغذّوها بإصرارهم واندفاعهم. كانت الغيوم أيضاً تزداد إصراراً، فأرسلتْ صواعق فأحرقت ما بناه النّاس على مرِّ سنين بلحظات، ولكنَّ النّاس ما يئسوا، واستخدموا نار الصواعق ليُغذّوا شعلتهم.
بعد مواجهة طويلة، وبعد أن أنزلت الغيوم ما تحويه من مياه الحقد، خفَّ وزنها، فعلَت شيئاً فشيئاً... ثم هبَّت رياح التّغيير فحملت معها أنقاض الغيوم الرّمادية إلى مثواها الأخير... سطعت الشّمس، شمس الحقّ أخيراً، وبانت زرقة السّماء، وعمّ دفء الأمان، وأصبح الأجداد يقصُّون على أحفادهم حكاية اندثار الظّلام... وجيلاً بعد جيل، لم تُمحَ من العقول بل ظلّت هذه الحكاية تذكاراً للسّلام...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة