من فلسطين
يُمعن الكيان الصهيوني البغيض في قتل الشباب وحبس الجثامين، وحرق البيوت، وتشريد الأهالي الآمنين، والعرب والمسلمون ينامون في غطيط مثقل وعميق، يبلعون ريق الذل والهوان، فتخرس ألسنتهم، ولا تسمع لهم إلا همساً..'اللهم نفسي... نفسي'.
أما 'إسرائيل' تقهقه فيعتلي صوتها، لأن أحداً لا يقول لها: كفى، بل تجد من تنفرج أساريره لها، فيطبع معها علاقات الصحبة والجيرة في السر وفي العلن..!!
كيف لا تزهو 'إسرائيل' وسوريا عن شمالها تتآكل تآكل الصخور الشاهقة من أنياب الأمواج العاتية، في معركة يشترك فيها العالم إلا أقله، ومصر عن يمينها ملتهاة بنفسها، يحمي ظهرها انقلاب عميل، يجرع شعبه خزي القريب ومعرته، بله التنكيل في صفوف من كانوا إلى الأمس على رأس السلطة الشرعية...
كيف لا تزهو؟! وقد هجرت الثغور، وتوجه رباط الحاكمين العرب إلى الداخل، يسيمون كل من تململ من جورهم وظلمهم سوء العذاب ... فيصدق فيهم قول القائل:
أسـدٌ علي وفي الحُروبِ نعامــةٌ
ربْداءُ تجفلُ مِن صفيرِ الصافِرِ
هلّا برزت إِلى غزالة في الوغى
بل كان قلبُك في جناحي طائِـرِ
ألقِ السِلاح وخـُذ وِشاحي مُعْصِرٍ
واعْـمد لِمنزِلـةِ الجبانِ الكافِـرِ
بسلاحَيْ الاستبداد والإعلام تُحسر اليوم القضية العظيمة بالعرب دون المسلمين، ثم تُحسر بالفلسطينيين دون العرب، ثم تُحسر بفلسطيني الداخل دون غيرهم، ثم تُحسر بالقدس وحسب..
يُترك الفلسطينيون يلاقون مصيرهم لوحدهم بصدور عارية، مقابل الرصاص والقنابل والمدافع..
ثمانية عقود و'إسرائيل' تذبح أبناءنا وتطردنا إلى الشتات، تنتعل القوانين الدولية، وقادة العرب والمسلمين يتسابقون ليمدوا معها جسر الجبان وسلام الضعيف... أليس الأمر عجاب!!
تقف 'إسرائيل' اليوم على أرض فلسطين، التي تضم منبع القدسية والبركة، ومستقى العزة والكرامة، الذي قال فيه تبارك وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)(الإسراء: 1) بقدمين اثنتين:
الأولى: المظلمة والتقاتل اللذان يسودان العالم العربي والإسلامي، والهوة العميقة بين الأنظمة وشعوبها، والعصا المشقوقة بين أبناء الدم الواحد والمصير المشترك.
أما الثانية: الدول المنافقة وعلى رأسها أمريكا، ودعمها اللامحدود لإسرائيل، حتى أنها مستعدة لقتل الجنس البشري كله مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل..
كشف تقرير لصحيفة 'هآرتس الإسرائيلية'بتاريخ 8/12/2015م، أن 50 منظمة وجمعية أمريكية، لا تدفع الرسوم على مدخلاتها باعتبارها خيرية، حولت حوالي مليار شيكل إلى المستوطنات خلال السنوات الخمسة الأخيرة. وأشارت الصحيفة إلى أن أمريكا تمول بصورة غير مباشرة المشروع الاستيطاني الذي عارضته كل إدارة أمريكية خلال الأعوام الثمانية والأربعين الماضية..!! بتلك الدعامتين ترفع إسرائيل هامة الكبر والتعنت وتتحدى العالم اليوم.
لكن أقول، إن هذا الوقوف المؤقت لإسرائيل لا يحلل الباطل، ولا يسقط مهما تطاول العهد حق الفلسطينيين في أرضهم وهوائهم ومائهم، فقد وقف كوقفتها الاستعمار الروماني لعدة قرون، لكنه ما لبث ذاب وزال ولم يعد له ذكر، وها هي الانتفاضة اليوم، تبص من نجومها في ليل الأمة بوارق فرج قريب، نقرأ فيه:
1. صفعة وجه قوية للأمن الإسرائيلي الداخلي، بسبب البطولات التي يسطرها الشباب الفلسطيني، وهذا يفرض حالة من الرعب تشل النفس الإسرائيلية. وتهز الثقة بين جمهور 'إسرائيل' وحكومته، بقيادة بنيامين نتنياهو..
2. تراجع اقتصاد 'إسرائيل'، حيث بلغت الخسارة الاقتصادية وخاصة في قطاع السياحة 5 مليارات شيكل شهرياً، وفق ما ذكرت صحيفة 'مكورريشون' العبرية في 15/10/2015م .
3. فشل الحلم الإسرائيلي المعول على تقسيم المسجد الأقصى تقسيماً مكانياً وزمانياً، رغم ما يبذل في سبيل هذا الحلم من أجندات إعلامية واقتصادية وسياسية ضخمة.
4. عودة القضية الفلسطينية وما يدور اليوم في القدس إلى الواجهة الإعلامية، جنباً إلى جنب مع ثورات الربيع العربي، سيما وأن الهدف واحد والعدو واحد...
5. تعاظم عنفوان الإيمان لدى الفلسطينيين، في قلوب شبان جمعوا أحلامهم في حلم الشهادة، وبنيات لهن بسمية ونسيبة صلة قربى، قال عنهم نبي الإسلام [ في حديث: 'لاتزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين،لعدوهم قاهرين، لايضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء،حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك'، قالوا: يارسول الله وأين هم؟ قال: 'ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس' (مسند أحمد: 22320).
وحتى تكون هذه الانتفاضة في إيمان يتعاظم ولا ينقص، وعنفوان يزيد ولا يتراجع؛ لابد وأن نضيء المصابيح في طريقها، وذلك بــ :
• مصالحة الذات، بأن يراجع كل منا حساباته، ويتساءل هل تعنيه أوجاع أمته وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهل هو في وارد مناصرة أخوته بما يستطيع..!!
• المصالحة فيما بيننا، فنردم الهوة العميقة التي حفرتها إسرائيل ودول الغرب بمعاولنا... من أجل شل الفاعلية العربية والإسلامية، وتخدير النخوة والشهامة في النفوس...
• تحفيز الإعلام على الترويج لقضية الحق، وفضح المجرمين ومن يقف خلفهم..
• نصارح الغربيين وهم يستوردون سمن أرضنا وزيتها، في أننا لا نقايض على وجودنا.. ولا نساوم على حياتنا وتراثنا وديننا...
أخيراً، إن المعركة اليوم يحتمي وطيسها في بلاد الشام على جبهة في فلسطين وجبهة في سوريا، ترسمان طريق المجد لأجيال المسلمين وليس من بد إلا ومناصرتهما..
تلك هي نبضات قلب تبعتها نبضات حروف، تدفقت في دمي فكتبت بمدادها، والله الموفق والمستعان (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمونِ) (يوسف: 21).
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن