الشام ومرحلة ما بعد الفصائلية.. هل ستدرك الفصائل اللحظة التاريخية؟
خروج الغوطة يوم الجمعة الماضية بمظاهرات تُعلن وتهتف لا للفصائلية، وتطالب بتشكيل جيش إنقاذ يضم كافة الفصائل الجهادية والثورية في المنطقة من أجل إنقاذ ما تبقى من الحجر والبشر، ومن أجل تفادي مصير داريا والزبداني والمعضمية وقدسيا والهامة، ومن أجل وقف تسونامي التهجير والاقتلاع والتطهير الطائفي والعرقي حول دمشق، يشير إلى وعي جماهير شعبي لا مثيل له، ويؤكد أن الشعب هو بوصلة الثورة، وأنه أكثر وعياً وحرصاً من الفصائل التي ضحت ولا تزال تضحي بكل ما تملك من أجل انتصار الثورة، ولكن للأسف لم تستطع أن تضحي بغرورها وكبريائها على بعضها بعضاً وتتنازل للآخرين من أجل مصلحة الوطن ومصلحة الثورة، ولم يستطع بعض المشايخ وطلبة العلم أن يقدموا انموذجاً في التآخي والتعاضد بين فصائل المجاهدين، فكان بعضهم كنافخ كير بين هذه الفصائل، ونافخ في الفتنة علم ذلك أو لم يعلم..
لحظة تاريخية مهمة تعيشها الشام وهي لحظة ابتعاد الشعب والجمهور عن الفصائل، واستعدادها لتقود الراية من جديد، كما قادتها يوم انتفضت ضد العصابة الطائفية في مظاهرات الحريقة ودرعا وحمص وإدلب ودير الزور وحماة وغيرها، يوم أعلنت تمردها على العصابة الطائفية، يومها لم تكن هناك فصائل ولا جماعات، وإنما شعب حر أبي تمرد على الطائفيين وهتف للحرية وفجر ثورة ستظل مفخرة العالم كله والتاريخ برمته، وبالتالي على هذه الفصائل أن تعي تماماً أنها ليست الأولى في هذه الثورة، وليست السباقة في التمرد على هذه العصابة الطائفية، وأنها إنما تنفذ رغبات شعب حر أبي تمرد ولم يكن بحاجة لأحد أن يقوده ويعلمه طعم الحرية، وفي حال سعت الفصائل إلى حرف البوصلة بعلم أو بجهل، و سعت لا سمح الله إلى تدمير مكتسبات هذا الشعب بالحرية والثورة فإنه قادر بإذن الله على إعادة الأمور إلى نصابها، وما فعله بالأمس في الغوطة وغيرها، ووضعه طريق الخلاص وخريطة الطريق للفصائل من توزيع النسب على الفصائل في تكوين الجيش الوطني إلا دليلاً على قدرته على اجتراح الحلول لمن رفض على مدى سنوات الاحتكام إلى لغة العقل في الوحدة والاتحاد ورد المظالم، والإفراج عن المعتقلين..
ما نقوله اليوم ليس خاصاً بالغوطة الحبيبة وليس متعلقاً بفسطاط المسلمين فحسب، وإنما عاماً بكل بقعة شامية رفض قادة ميدانيون عسكريون الوحدة، وظنوا أن قوتهم قادرة على إسقاط الطائفيين المدعومين من سدنتهم بينما نرى تداعي الغرب والشرق على الشام، في حين قادة الفصائل يجابهونهم بالتفرق والتمزق، ولا يعرفون أن وحدتهم وائتلافهم أحب إلى الشعب من انتصاراتهم التكتيكية في بلدة هنا أو جبهة هناك، فالنصر الاستراتيجي يكمن في الوحدة والائتلاف وليس في انتصارات وهمية تأتي اليوم لتذهب غداً..
العاقل من يتحسس اللحظة التاريخية فيما إذا كانت معه أو ضده، واللحظة التاريخية اليوم في الشام والله أعلم هي لحظة تمرد شعب على هذا التفرق والتمزق، ولحظة ابتعاد الشعب عن هذه الفصائل، بل والكثير يحملها اليوم سبب تأخير الثورة برفضها خفض الجناح لإخوانها، ولنا عبرة في انقلاب المزاج الأفغاني ضد المجاهدين الأفغان يوم اقتتلوا وتفرقوا فيما بينهم، فمال المزاج الأفغاني لصالح حركة طالبان ، تماماً كما ينقلب المزاج الأفغاني اليوم ضد حركة طالبان الأفغانية بعد رحيل زعيمها ومؤسسها الملا محمد عمر، بسبب تفرقها وميلها نحو إيران، واليوم يحصل نفس التغير في المزاج السوري وإن كان بنسب ربما أقل ولأسباب مختلفة، وإن كان على رأس هذه الأسباب تفضيل الفصائل مصالحها الفصائلية والحزبية على مصلحة الثورة والشعب، وإصرارها على التمزق والتفتت، والأريب والعاقل من الفصائل من يدرك هذه اللحظة ويتعامل معها بشكل مختلف فحينها سيكسب الدارين الدنيا والآخرة بإذن الله.
المصدر : أورينت
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة