أيها المسلمون
أيّها المسلمون.. اسْتَمِعُوا إلينا ولو كانَ حديثُنا مُحْزناً مُؤْلِماً، ولا يَلْفِتَنَّكُم عن الحقائق الفاجعة مَنْ يُريدونَ إخفاءَها عنكم، أو قلبَها لكم، ومَنْ يحاولون أن يلتمِسوا لواقعِنا الفظيع الرّهيب مختلف المبرّرات والأعذار، ليسْتَمِرَّ على ما هو عليه، ولو كان في ذلك دَمارُ الإسلامِ والمسلمين والإنسان
إنّ الفوارق بين البشر في قُدْراتِهم ومُسْتَويات حياتِهم تتحوَّل بسرعة مُذهلة إلى فوارق "نوعيّة" لا "كمّيّة"، وإنّنا لنرَى جَميعاً -أنّى التفتْنا- مظاهرَ ذلك ومؤشّراتِه أوضحَ ما تكون
ما أبعدَ الفوارق الآن بين الغِنَى والفقر، والقوّةِ والضَّعْف، والعلمِ والجهل، والتقدّمِ والتأخّر
ما أبْعَدَ الفوارق بين الشَّمال والجَنوب، والدُّوَل المتقدّمَة والدُّوَل المتخلّفة، والعالم الأوّل والعالم الثّالث.. ونحنُ -يا عارَ الإسلام بنا- من الدُّوَل المتخلّفة، مِنَ العالم الثالث، نَزْحَفُ وراء غُبار الرّكْب البشريّ مَعَ الزّاحفين المنقطعين، رغم رسالتِنا الإلهيّة العظيمَة، وما حَبانا اللهُ عزَّ وجلَّ به من مَوارد هائلة، وإمكانات كامنة، كانت تؤهّلنا -لو أخلَصْنا لله، وأحسنّا العلم والعمل- لِنكون مِنْ طلائع الرَّكْب، ومن قُواه الأساسِيّة الكُبْرَى..
ما أبعدَ الفوارق بين المسلمين الذين يموتون كالحيوانات المُهْمَلَة (عفواً، لم أحسن التّشبيه، فلم يَعُد في الغرب حيواناتٌ مهملة تُتْرك لتموت كما يَموت المسلمون) بالمئات والألوف ومئات الألوف مِنَ الجوع والظّمأ، والأمراض والأوبئة، وعدوان وحوش البشر عليهم، في أثيوبيا، وإفريقية، ومناطق أخرى من العالم.. لا تَصِلُ أيديهم ووسائلُهم إلى ما يُمْسِكُ عليهم أدْنَى رَمَق من أرْماقِ الحياة من الطعام العَفِن والماء الآسِن، ولا إلى ما يكفل لهم أبسط ضَرْب من ضروب الوقاية من العدوان.. وبينَ الغربيّين الذين تَنْبُتُ في أرضهم، أو تُصنع عندهم أو تُجْبَى إليهم طيّباتُ الأرض وثمراتُها، والذين يَرودون الفضاء، ويزورون القمرَ والكواكب، ويستعدّون لِما يُسَمّى الآن ﺑ "حرب النّجوم"، والذين يطمحُ بعضهم ويَسْعَى إلى احتكار السّيطرة المطلقة على الدّنيا في البرّ والبحر والجوّ والفضاء الخارجيّ!!
ما أبعدَ الفوارق بين زهاء ألف مليون من المسلمين العاجزين المتخلّفين المُمَزّقين الضّائعين.. وبضعة ملايين من اليهود الذين ننعتهم بحثالة الأمم والشّعوب!!
لقد أوشكت الفوارق أن تكون بيننا وبين هذه "الحثالة" نوعيّة لا كميّة، وأن نكون دونها بمراحل لا حَصْرَ لها، فنحن ننهزم أمامَها في كلّ معركة، ونخسَرُ في مواجهتها كلّ قضيّة، ونجثو أمامَها على ركبنا عاجزين مستسلمين، نستنجد ونستغيث، ونبتغي إليها الوسيلة بكلِّ عَدُوّ وصَديق، ونتنازل لها عن الأرض والعرض والكرامة والشّرف.. ثمّ لا تلين ولا ترِقّ، ولا تتكرّم بقبول ما نقدّمُهُ من آيات التذلّل والخضوع، ولا تُطامِنُ من كبريائِها وعدوانِها، ولا تُهَدْهِدُ من مطامِعِها وتهديدِها لوجودِنا كلِّه في الحاضِر والمستقبل..
هذه إشارة سَريعة إلى حقيقة من حقائق عالمنا وعصرنا -أيّها المسلمون- وإلى مكاننا في دنيانا، وموقعِنا في موكب الأمَم والشعوب، وفي مرحلة اليوم والغد
وهذا إنذار وتحذير من قلوبنا الفيّاضة بالمحبّة والغيرة والحسرة، لنستيقظ وننهض ونجاهد حقّ الجهاد لتغيير هذا الواقع الأليم الخطير الرّهيب قبل فواتِ الأوان، وقبل أن يستحيلَ تجاوزُ التخلّف والعجز، وقبل أن نُوَقِّعَ بجهلِنا وغفلتِنا، واستسلامِنا لواقعِنا، وخيانتِنا لمهمّتِنا وواجبنا الإسلاميّ والإنسانيّ والتاريخيّ، صَكَّ عبوديّتِنا الدّائمة، وانحلالِنا الشّائِن البائِس في المستقبل
يجب أن نستيقظ -أيّها المسلمون- قبل فواتِ الأوان، فالزّمنُ والعملُ قد أصبح لهما حسابٌ آخر غير حسابهما في خالِيات القرون، ونتائجُ أخرَى في حياة البشر، ومصائرِ الأمَم والشّعوب
إن بضع سنوات في هذه المرحلة من مراحل التاريخ البشريّ تتجاوز في إنجازاتِها وآثارِها ونتائِجها المذهلة عشراتٍ من القرون التي عاشها البشر في الماضي
إنّ الفوارق ستزداد، والنِّسَبَ ستختلف، وسيزدادُ المُتقدّمُ تقدُّماً، والمتخلّف تخلّفاً، والقويّ قوّة، والضعيف ضعفاً، والطّاغوت طغياناً في كلّ مكانٍ ومَجال
إنّ القضيّة -أيّها المسلمون- هي قضيّةُ وجودنا المعنويّ والماديّ، قضيّةُ حياتنا وموتنا، ودنيانا وآخرتنا، وقضيّةُ المستقبل البشريّ إلى أمَدٍ بعيدٍ بعيد
فهل نستطيع أن نستوعب هذا الواقع بكلِّ أبعادِه، وكلِّ تحدّياتِه التي يطرحُها، في كلّ مَجال وعلى كلّ صَعيد، وأن نرتفع بإيماننا ووعينا وإرادتِنا وعزيمتِنا وطاقتِنا وقدرتِنا وجهدِنا وإنجازنا وتضحيتِنا.. إلى مستوى مواجهة سائِر هذه التحدّيات، وانتزاعِ
حقّنا في البقاء والحياة الكريمة، كبشرٍ لهم خصائصُهم وقِيَمُهم، ورسالتُهم السّامية في الأرض
إنّه ليتوقّف على جَوابنا على هذا السّؤال وجودُنا كُلُّه؛ المعنويُّ منه والماديّ، وقيمةُ هذا الوجود ومَغزاه، وما أحقرَنا وما أخيبَنا وما أضيعَنا في دنيانا وآخرتِنا على السّواء، إنْ خَنَسْنا أو انهزمْنا أمام التحدّيات، أو قنعنا مِنَ الوجود بمجّرد استمرارِنا الفيزيائيّ بأيّ شكل من الأشكال، أو شرط من الشّروط، ولو عشنا بلا غاية ولا إرادة ولا كرامة ولا شرف.
# نُشِرَ هذا المقال للأستاذ عصام العطار قبلَ أكثَر مِنْ أربَعينَ سنة، وما يزالُ مفيداً أن يقرَأهُ العربُ والمسلمون ويتدبّروا بعضَ ما جاء فيه
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
نعم نحتاج هذا المقال لأنه وكأنه مكتوب اليوم ، وأكبر دلايل على تعايشنا الفزيائى فقط بلا كرامة ولا عدالة وعالم عالة أقصد عالم ثالث أنه بعد 40 سنة يعنى جيل كامل من المسلمين لم يكونوا مأهلين لحمل راية التوحيد خالصة ، لقد اُستُعبدنا أو أُستُبعدنا عن الحياة الكريمة بسبب انهزامنا ، فهمت أن رسول الله يقول فيما معناه إن الشيطان ليفرح بحزن المؤمنين فرحاً شديداً ...لأن الحزن مُقِعِد عن عمل أى شيء والخير والشر سواءاً بسواء ، انظر لعيادات الأمراض النفسية فى كل بلدان العرب لقد أصبح دكاترتها من أغنى الدكاترة حول العالم ...نحن منهزمون ، نحن مفتقرون للحياة الكريمة ولا أقصد بالحياة الكريمة بالطبع الحياة الفزيقية كما يقول الكاتب .