الشعر العربي بين الأمس واليوم
التاريخ:
فى : حوارات
4410 مشاهدة
كان للشعر مكانة لا تضاهيها مكانة، حيث كان يُعدّ ديوان العرب الذي يحمل همومهم ويصوّر أشجانهم ويتصدّر حياتهم الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية كونه الوسيلة الإعلامية الأكثر رواجاً. فلماذا ضَعُف حضور الشعر العربي في وقتنا الحاضر؟ وما دور الفضائيات في ذلك؟ وما موقف الشعر الإسلامي المعاصر من معاناة الأمة؟... هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على الشاعرة نبيلة الخطيب في هذا الحوار:
ضيفتنا في سطور:
- شاعرة فلسطينية من مواليد نابلس عام 1962م، مقيمة في الأردن - عمان.
- حاصلة على الإجازة في اللغة الإنكليزية.
- حائزة على العديد من الجوائز منها جائزة رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
- رئيسة لجنة الأديبات الإسلاميات في المكتب الإقليمي - الأردن.
- من أعمالها قصيدة «صبا الباذان».
1. يمكن للشعراء وللناشرين والنقّاد أن يلاحظوا أنّ هناك انحساراً في الاهتمام بالشعر حتى أصبح يعاني كساداً بعد أن كانت بضاعته رائجة: فمن يتحمّل المسؤولية؟
- علينا أن نُقرّ أولاً أنّ الشعر في انحسار وهذه حقيقة، وأسباب هذا الانحسار لا تتحمّله جهة دون أخرى؛ فالمسؤولية مشترَكة ولكنها متفاوتة. فإذا نظرنا إلى ما قبل الغزو التقني والمعلوماتي بما فيه الإنترنت والفضائيات وجدنا أنه كان للشعر قَصَب السَّبْق كونه الممثل الإعلامي والدعائي والموجِّه النفسي: فبيتُ شعر كفيل بأن يَعقد ألوية الاقتتال، وآخر يخمد أجيجها، وبه يُرفع أقوام ويُخفض آخرون... إلى هذا الحدّ كان للشعر مكانه ومكانته؛ فحريٌّ به أن يكون الرائج والصوت العالي.
أما اليوم - وكما ألمحتُ آنفاً - فإنّ الغزو التقني احتلّ الساحة كلها حتى المشاعرية التي كان ينفرد بها الشعر، وأقصد بالتقني أيضاً ألوان الفنون المختلفة من سينما ومسرح وفن تشكيلي وغيرها.
الشاعر نفسه له دور في هذا الانحسار؛ فقد ابتعد في الغالب عن جَسِّ واقع أمته من آلام وآمال إما رغبة أو رهبة، فلم يعد الشعر يلامس حاجات الناس المختلفة فانزوى في مربع المشاعر المغلقة التي ما عادت تُغري أو تُشبع نَهَم الشارع والمثقف. أما الناشر والموزِّع فهما في النتيجة تاجران يحكمهما السوق والعرض والطلب والإقبال والإحجام.
2. ماذا يستطيع الشعر أن يفعل اليوم في عصرنا الاستهلاكي الذي لم يعد يبالي بهذه الحرفة القديمة وأصحابها؟
- هذا سؤال مهم جداً وحريٌّ أن نقف عليه طويلاً؛ نحن نعيش الآن في عصر استهلاكي يغلب عليه نمط العيش الآخر الذي يستدين من المستقبل ليطعم الحاضر، ويستنفد طاقاته وإمكاناته حتى الرمق الأخير، بحيث أضحى التسوق متعة، وأصبحت تقام المهرجانات للتسوق وانتشرت ثقافة الترويج والاستهلاك.
ولكن هل الشعر باعتباره سلعة قادر على دخول سوق المنافسة؟ وهل الاستثمار في الشعر ممكن كتابةً ونشراً وتوزيعاً وتسويقاً؟ وهل للشعر مكان في هذه المنظومة المتعصبة للربح الآني؟
إن للشعر عوائق ذاتية لا يستطيع بوجودها المنافسة، مما أدى إلى انحساره، والمحاولات الجارية لتسويق الشعر من خلال الإنترنت والفضائيات ودخوله في القصيدة المُغنّاة هي محاولات جديرة وجريئة، ولكن أيّ شعر سوف يُروَّج له عبر الفضائيات العربية؟! هل هو الشعر النبطي والشعبي وبعض القصائد المنتقاة.. وقصائد المديح والتمجيد الذي أفردت له محطات؟
هذه العقلية الاستهلاكية تتيح الظهور لنماذج من الشعر الرديء وخاصة شعر المناسبات الذي يمدح ويمجد ويرفع ويخفض ويؤلِّه البشر والأفكار المختلفة... وسيبقى الشعر المنتمي إلى الشعر الحقيقي هو الخاسر.. الاستهلاكية تنبذ الشعر وتبقيه مركوناً في الزوايا المهجورة وخارج مهرجانات التسوق الثقافي، فالعديد من الصحف العربية أسقطت الصفحة الثقافية اليومية وضاعفت عدد الصفحات الاقتصادية والرياضية والفنية، كون القصيدة الشعرية لا تلبي حاجات السوق.
فهذه المواقع لا تجلب المُعلِن، وليس لها مكان في هذه الآلة التي تطحننا، ولذلك إذا كانت الثقافة العربية - وربما غيرها - في أزمة، فإن الشعر هو الأكثر تأثراً بهذه الأزمة!
3. ماذا أضافت القصيدة الحديثة إلى الإنتاج الشعري الغزير في العالم العربي؟
- لا أنكر أن القصيدة الحديثة أضحت أمراً واقعاً وفرضت نفسها على الساحة الشعرية؛ لمواءمتها للعصر الحديث والذائقة الحديثة التي فرضتها أساليب الحياة المعاصرة، ثم التأثر بالثقافة الغربية بما فيها الموسيقى الغربية التي تناسبها القصيدة الحديثة؛ أما الإضافة فهي محسوسة وبيِّنة إذ لو اقتصر الشعر العربي اليوم على العمودي لتراجع عدد الشعراء وبالتالي العطاء الشعري.. أما الإضافة الثانية فهي أنّ الشعر الحديث يعتمد على الصورة والرمز وسهولة الانسياب، وهذه طبيعته التي تُثري العمل الشعري، إضافة إلى تعمّده ملامسة دواخل الذات أكثر من غيره بالنسبة لأهل العصر الحديث؛ بينما نرى الشعر العمودي يربط الشاعر والمتذوق بالأصالة التي أخذت بالتراجع أمام مدّ الحداثة.. كما نجد فيه خاصية الالتزام بقواعد ثابتة في الوزن والموسيقى لا تتماشى والانطلاق المعاصر وتقليد الآخر الذي طغى على العقول والنفوس والأذواق.. بالإضافة إلى عنصر اللغة وضوابطه وقد أخذ بالتراجع للأسف!
4. كيف تَرْين مستقبل الشعر العربي الأصيل المبنيّ على نظام الشطريْن وظهور قصيدة «النثر» في ظلّ ما يعتري الثقافة الشعرية من ضعف وهُزال؟
- عند الحديث عن مستقبل الشعر يجب أن نحدد عن أي شعر نتكلم: هل هو شعر استهلاكي قد يتابع ازدهاره؟! أم هو شعر ثقافي قد يتابع انحساره؟!
المستقبل مرتبط بالنمط الثقافي المستقبلي، فإذا ظل الوضع العربي على حاله فإن الشعر العربي الأصيل سيتابع مسيرة انحساره أمام قصيدة «النثر».
5. إلى أين وصلت المرأة شعراً سواء كانت هي الكاتبة أو كونها مضمون المادة في عالمنا العربي؟
- المرأة هي ثاني ركنَي الحياة.. والعطاء منهما، الأصل فيه التساوي والتكامل، لا المنازعة ولا المضادّة كما يحب البعض أن يصوِّره! ولا استثناء في الأدب والكتابة، ولكن في الحقيقة والواقع فإن المرأة نسبة إلى الرجل أقل عطاء من حيث الكم وبالتالي يظهر الفارق. أمّا مضموناً فهي دائمة الحضور كونها شريكة الحياة والمسيرة والمشاعر، ولا يستطيع الشعر إغفالها.
6. قَلَم الشاعر يتأثّر بالعوامل الفكرية والسياسية والاجتماعية؛ فهل تشعرين بانعكاس هذه المؤثّرات على إنتاجك الشِّعريّ؟
- بالتأكيد، وإلا فلا معنى للشعر إن كان الشاعر في واد والفكر والسياسة والاجتماع في واد آخر، فلا يجد مَن ينتبه إليه أو يهتم به، ولا يجد ما يتحدث فيه إلا كلاماً لا يمس عقول وخواطر وإحساسات القرّاء، فالمؤثرات المختلفة هي المادة الحقيقية للشاعر الحقيقي.
7. ما موقف الشعر الإسلامي المعاصر من معاناة الأمة؟ وما المطلوب من الشاعر الإسلامي؟
- الشعر الإسلامي يتميز بأنه ينبثق عن عقيدة وقضايا، أي ثوابت أصولية ومتغيرات حياتية، فلا يستطيع الشعر الإسلامي مثلاً أن يتجاوز قضية فلسطين والجهاد.. ويأبى إلا أن يكون محرّضاً على الخير والصعود نحو المعالي في كل شيء. والمطلوب من الشاعر الإسلامي أن يرتقي إلى مستوى القضية الكبرى: «الإيمان»، ويعتبر نفسه داعية وصاحب رسالة، وإلا فقَدَ التميُّز.
***
ختاماً: نشكر الأستاذة نبيلة الخطيب على هذا الحوار القيم.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة