حب المظاهر في المجتمع..
الاهتمام بالمظاهر والأمور الكمالية يعكس المستوى المادي الذي تعيشه بعض الأسر، ولكنه أصبح الثقافة الرائجة في حياة كثير من مسلمي اليوم، لا بل صار مرضاً اجتماعياً لا يُبتلى به أصحاب المال والثروات فحسب، بل نلحظه بشكل أكثر استفحالاً لدى الكثير من متوسطي الحال ومحدودي الدخل..
1. “منبر الداعيات”: الاهتمام بالمظاهر والأمور الكمالية هي الثقافة الرائجة في حياة كثير من مسلمي اليوم ، برأيك على ماذا تدل هذه الظاهرة المتفشية في صفوف نسائنا وشبابنا ورجالنا وحتى أطفالنا والتي قد نلحظها عند بعض الدعاة والداعيات ؟ وهل تتراوح نسبتها بين منطقة وأخرى؟
– نعم بالفعل هذا ما نجده اليوم… للأسف أصبح الاهتمام بالمظاهر والكماليات على حساب الحاجيات والضروريات بل على حساب صحة الإنسان وراحة باله سمة ظاهرة في المجتمع، وقد أشارت بعض التقديرات إلى أن حوالي 40% من نفقات الأسرة يُصرف نحو العناية بالمظاهر والإغراق بشراء الكماليات التي تتجلى في:
المغالاة في أثاث البيوت واقتناء التحف الثمينة وشراء الملابس الغالية والحقائب والإكسسوارات عند كل مناسبة من أجل التميز ولفت الأنظار والظهور بمظهر لائق إلى التعاقد مع أكثر من خادمة في البيت إلى تبديل الهاتف المحمول فور نزول أي حديث والسعي إلى امتلاك أحدث الماركات
وإذا أردنا أن نقف على دلالة هذه الظاهرة بشيء من التحليل الموضوعي فإننا نلحظ ما يلي:
* ضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس جعلهم ينصرفون عن الغاية التي من أجلها خلقوا والعلة التي لأجلها بعثوا في هذه الدنيا ألا وهي عبادة الله سبحانه وتعالى مصداقا لقوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)الذاريات: 56، و
فانهمكوا في المظاهر الزائفة والكماليات العابرة.
* عدم تدبر التوجيهات الربانية والوصايا النبوية بالبعد عن الإسراف وترك التبذير؛ قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾سورة الأعراف:31. الآية الثانية: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ سورة الإسراء:27، وقال صلى الله عليه وسلم: “كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة”.
* الغفلة عن زاد الطريق الذي يوصل إلى مرضاته سبحانه وتعالى؛ فطريق الجنة ليست محفوفة بالورود والرياحين بل بالمتاعب والمكاره ولا بد من الصبر والمصابرة وهذا لا يتأتى بالترف والنعومة أو بالركون إلى المظاهر الجوفاء.
* كما أن الغيرة والتنافس بين الأقران وغياب القناعة وعدم الرضا بما قسم الله للإنسان سبب آخر يدفع بهولاء الأشخاص إلى السعي وراء الكمال الذي يتراءى لهم في المظاهر.
* وثمة صنف من الناس يعيش هاجس نظرة الناس إليه ويحرص على ثنائهم ومراعاة أذواقهم وملاحظاتهم لذا نجدهم يقومون بأعمال وأنشطة هدفها ظهورهم في طبقة – مخملية كما يقولون – أعلى من طبقتهم الحقيقية.
* وبسبب إِلْفنا لهذه الظواهر ومدحها أحياناً جعلت أطفالنا يحاكوننا في تتبع المظاهر والعناية بالكماليات من الثياب إلى الألعاب والإلكترونيات.
* ونظراً لانفتاح كثير من الدعاة على المجتمع ومخالطة هذه الفئات من الناس جعل البعض منهم يتأثر بهذه الظواهر ويجري نحو تتبع الكماليات والتوغل بالمظاهر التي من شأنها أن تثقل كاهلهم وتصرفهم عن هدفهم الأساسي في الدعوة إلى الله.
2. “منبر الداعيات”: ما هي آثار هذه الظاهرة ومخاطرها وانعكاساتها على الفرد والأسرة والمجتمع بشكل عام؟ وعلى الدعاة أنفسهم بشكل خاص؟
– أظن أن استقراء ودلالات هذه الظاهرة يدل على انعكاساتها ومخاطرها ولكن لا بأس بالإضاءة أكثر على بعض آثارها من خلال النقاط التالية:
– قد يؤدي الاهتمام الزائد بالمظاهر والكماليات إلى أمراض نفسية يُصاب بها الفرد تنتج من نقص الثقة بالنفس لأن من يقع في هذا الداء سيظل يشعر بالحاجة إلى إرضاء غيره.
– ومن مخاطرها على المجتمع أنها تُشيع العداوة والبغضاء بين الناس لأن من يقع في براثن هذه الظاهرة في الغالب يُصاب بالكبر والتعالي مما يدفع الناس إلى النفرة عنه والإعراض عن مصاحبته.
– ومن انعكاساتها على الأسرة أنها قد تؤدي إلى تصدع البناء الأسري من خلال الإسراف في الاهتمام بالكماليات وإهمال القيام بالضروريات وأداء الحقوق والواجبات تجاه الأسرة التي هي أولى بالاهتمام والرعاية والعناية.
– كما أن التوغل في هذه الكماليات قد يحمل صاحبه على الاقتراض وربما يعجز عن السداد فيعرض نفسه للسجن أو للانحراف ولا شك أن هذا سيؤثر على الأسرة وجميع أفرادها.
– قد ينشأ عند جري الدعاة وراء المظاهر عدم تأثر الناس بما يقولون لأنهم سينظرون إليهم على أنهم يقولون ما لا يفعلونه فهم في حطام الدنيا منغمسون ووراء زينتها يلهثون.
3. “منبر الداعيات”: برأيك ما أبرز العوامل التي تدفع المرء للاهتمام بالمظاهر؟
* ضعف الإيمان: فالإيمان هو المحور في سعادة الإنسان، وهو الأساس الذي يرتكز إليه الرضا بما قسم الله وهو الأساس الذي يُبنى عليه تقويمنا للأشياء. فإذا ضعف الإيمان انساق الإنسان وراء سراب المظاهر ليملأ الفراغ في نفسه.
* حظوظ الدنيا؛ التأثر بالغزو الثقافي والفكري الغربي والذي يؤدي إلى التبعية والتقليد الأعمى للموضات الوافدة.
* عدم القناعة؛ فالقناعة عز وعفاف وغيابها وعدم الرضا يدفع الإنسان إلى اللهث وراء ما يظن أنه يشبع حاجاته النفسية.
* المرض النفسي: فشعور الإنسان بعقدة النقص ممن هم أعلى منه في المستوى الاجتماعي والاقتصادي يدفعه إلى مقارفة هذه الظاهرة المقيتة.
* الغيرة من الأقران تبعث في النفس الألم والحسرة عند رؤية نعمة تُصيب أخاه فيسعى إلى تحصيلها بالمظاهر والادعاءات الكاذبة.
4. “منبر الداعيات”: ما هي الضوابط التي أقرها والحدود التي رسمها ديننا الحنيف فيما ينعلّق بهذه المسألة؟
تتجلى هذه الضوابط في الاعتدال في النفقة والتوسط هو الذي يحقق سعادة الإنسان ويُرضي رب الأكوان ويتوافق مع سنة النبي العدنان عليه أفل الصلاة والسلام.
وأخيراً
رسالتي إلى كل أخ أو أخت ابتلي بحب المظاهر والتعلّق بالكماليات أن يعلم ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والسعادة بالعمل الصالح وليست بالعرض الزائل؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وعلى الإنسان أن يُعنى بجوهره وبقلبه لا بقالبه، وأن يقنع بما قسمه الله له؛ فالقناعة عون على صلاح النفس وصحة الجسم، قال صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه» رواه مسلم.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!