قد يكون سؤالا يستبق الأحداث ويراها بمنظور متشائم من وجهة نظر المعارضة. ولكن ربما على الأقل في الوضع الحالي، وبالأسلوب القتالي والاستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل الفصائل، لن يمكن للمعارضة أن تنتصر في حلب في حال بقيت المعطيات الحالية، رغم كل ما كتب عن "بطولات" المقاتلين هناك و"شجاعتهم".
علينا بداية أن نفهم استراتيجية النظام التي تغيرت بعد التدخل الروسي منذ أكثر من عام. لم تعد الاستراتيجية العسكرية تتركز على احتلال المناطق واستعادتها والتركيز على مراكز المدن. بل تحولت إلى عزل مناطق المعارضة إلى جيوب منفصلة عن بعضها البعض، مثل ريف حلب الشمالي، ريف حماة، ريف حمص، الوعر، الغوطة، داريا سابقا والجبهة الجنوبية.
عزل المناطق وقطع خطوط الإمداد سمح للنظام بالتعامل مع كل منطقة بشكل منفصل على حدة، ولذلك نجد أن روسيا تعلن هدنة في منطقة ما ولكن تستثني مناطق أخرى. أما في السابق، كانت قوات النظام تتشتت على عدة جبهات ضد الثوار في استراتيجيتها السابقة لمحاولة استعادة كل الأرض.
الاستراتيجية الأخيرة سمحت بعزل مناطق وتهدئتها مقابل السماح للقوات المهاجمة بتركيز قواتها وضرباتها الجوية على منطقة واحدة مثل حلب. معتمدة على فرضية أن المناطق الأخرى ستفضل الهدوء النسبي بسبب عدم وجود قدرة قتالية لديها نتيجة الحصار الذي يعزلها عن المناطق الأخرى. وهنا يجب العودة إلى نظرية اللعبة التي يختار فيها كل لاعب الحل الأمثل له عندما يعزل عن اللاعبين الآخرين دون التواصل معهم أو الثقة في الاستراتيجية التي سيتبعونها.
المثال التوضيحي لنظرية اللعبة هي عندما يقوم محقق بعزل شريكين في جريمة ما، ووضعهما في زنزانة منفصلة، لا يعلم احدهما عن الآخر شيئا. ويعطيهما العرض التالي: في حال اعترفت على شريكك ولم يعترف هو، سنقوم بإطلاق سراحك، وإن اعترف كلاكما على الآخر فستأخذ حكما بالسجن خمس سنوات، أما إذا اعترف شريكك عليك فسيكون حكمك بالسجن عشر سنوات. لو كان الاثنان على اتصال ببعضهما البعض لفضلا عدم الاعتراف، لأنهما سينجوان بالجريمة دون وجود دليل. ولكن بسبب عدم معرفتهما بما سيقوله الآخر، سيفضل على الأرجح كلاهما الاعتراف، وبذلك يأخذان حكما مخففا بالسجن لمدة خمس سنوات لكل منهما، أو ينجو المعترف في حين يبقى الآخر في السجن للسنوات العشر كاملة.
ضمن نظرية اللعبة يمكن تفسير لماذا يختار كل فصيل في منطقة ما الهدنة على الحرب، لأنه ببساطة لن يفضل إشعال معركة دون وجود خطوط لإمداده بالسلاح. فإشعال المعركة سيجعله يفقد الذخيرة دون وجود فرصة حقيقية في إحراز تقدم. والأفضل ترك السلاح والذخيرة لحالة الدفاع والردع عند كسر اتفاق الهدنة، لأنهم على غير تواصل حقيقي مع بقية الرقع الجغرافية، ولا يمكن الوثوق بالشركاء بسبب عدم الالتزام بالوعود السابقة.
عزل المناطق سمح للقوات الروسية بتركيز الغارات الجوية على مناطق معينة متبعين أسلوب الثقب، أي تركيز القوة العسكرية الكبيرة في مكان صغير والتقدم فيه مرة تلو الأخرى. ولذلك شهدنا أكثر من مائة غارة في اليوم في فترة زمنية معينة على حلب. كانت مؤثرة واستطاعت بها قوات النظام السيطرة على طريق الكاستيلو شمال حلب وعزل حلب الشرقية تماما. ولو كانت جبهات أخرى مفتوحة وتتقدم كان بالإمكان تشتيت الجهود الروسية أو إضعافها. لكن دوران المعارضة في تلك الحلقة المفرغة ضمن نظرية اللعبة -وهي تفضيل الهدن المعزولة والمؤقتة بانتظار تغير المعطيات الدولية- سيجعلهم يفضلون الحل القصير الأمد عبر تهدئة الجبهات، بانتظار حكم الإعدام الذي سيصدر لاحقا، باقين على أمل تغير الموازين على الأرض، دون وجود خطة حقيقية من قبلهم لتغييرها.
الأدلجة التي دخلت بها قوات المعارضة في سوريا وتفرق الفصائل والتشظي، سمح للاعبين الآخرين باستغلال هذه الثغرة. وإن لم تحل هذه المشكلة الأساسية وتتوحد، فإنها ستواجه بشكل شبه حتمي الفشل، ولديها أمل في النجاح إذا ما عالجت هذه الأسباب. أكمل في المقال القادم بعض الاستراتيجيات التي يمكن للمعارضة استخدامها للخروج من هذا المأزق.
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة