داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
رائد صلاح... الرمز العملاق
هل أزمتنا هي انعدام الرموز القدوات؟ أو في جهلنا بهم، والتتقصير في انضمامنا إلى مشاريعهم؟
قصتنا اليوم قد تكون نموذج إجابة على هذا السؤال.
ولد الشيخ رائد صلاح في أم الفحم (فلسطين) سنة ١٩٥٨م.
وبدأ نشاطه الإسلامي في المرحلة الثانوية. ثم تخرج من كلية الشريعة في جامعة الخليل سنة ١٩٨٠م، ومنع من التدريس فعمل في الأعمال الحرّة حتى ١٩٨٥م. لينتقل إلى الصحافة حتى ١٩٨٩م.
هو من مؤسسي الحركة الإسلامية (في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨) في السبعينيات، وعارض خوض انتخابات الكنيست عام ١٩٩٦م فقاد الحركة الإسلامية في الجناح الشمالي.
وسنركز على ٤ جوانب من القدوة في شخصيته هي: خدمة المجتمع، تفعيل الطاقات المعطلة، البوصلة القرآنية، جهاد الابتسامة.
1- خدمة المجتمع ومعالجة لشأن العام: تولى الشيخ رائد صلاح رئاسة بلدية أم الفحم ثلاثة دورات بين ١٩٨٩ و٢٠٠١م. وكانت ثقة أهل بلدته به تتنامى وأصواتهم له تتصاعد، لكنه استقال قبل انتهاء ولايته الثالثة تاركاً هذه الأمانة لغيره، ليتفرغ هو لحراسة الأقصى.
2- تفعيل الطاقات المعطلة وتكتيل الطاقات الفاعلة لتحقيق الأهداف: انتُخب سنة ٢٠٠٠م رئيساً لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية، وهو أول من كشف النقاب عن الحفريات تحت المسجد الأقصى، عبر طلعات جوية سياحية فوق القدس مستعيناً بخبراء مهندسين، وصار يعمل سراً على إعاقة أعمال الحفر إلى أن انكشف أمره لليهود، فاستنفر الناس وأطلق مهرجانات "الأقصى في خطر" التي تعد الأضخم في أراضي ١٩٤٨م.
وهنا نجد لديه ميزة التكتيل تحت أُطُر متعددة؛ من حركة إسلامية تنظيمية، وجمعيات ومؤسسات خدماتية، وبلدية، ومشاريع عملية وعلمية تفيد الناس وتَنْصر الدين... فالغاية هي رضا الله بتحقيق الهدف الشرعي، ومع تنوع أنماط الناس وتفاوت استعدادهم للتضحية لا بد مِن تَعدًّد الأطر والوسائل الشرعية.
ومن أهم إنجازاته: ترميم المصلى المرواني الذي هو جزء من المسجد الأقصى (تبلغ مساحة المسجد الأقصى ١٤٤ دونماً يحيط بها السور الكبير - الدونم نحو ١٠٠٠م٢-.
عُرف المصلى المرواني قديماً بالتسوية الشرقية؛ إذ بناه الأمويون لتسوية هضبة بيت المقدس المنحدرة حتى يتسنى البناء فوق قسم منها على أرضية مستوية. وجعله عبد الملك بن مروان مدرسة فقهية. تبلغ مساحة هذه التسوية نحو ٤٠٠٠م٢، فهو أكبر المباني المسقوفة في الأقصى!
اكتشف المسلمون مخطط اليهود للسيطرة المصلى المرواني الذي كان مغلقاً منذ قرون، فبادروا إلى ترميمه سنة ١٩٩٦م بطريقة سريعة عجيبة!
فقد تعاون الشيخ رائد والأوقاف والمؤسسات المعنية على هذه المهمة مع فريق كبير من قرابة ١٢٠ ألف مسلم ومسلمة!! شاركوا في نقل مواد البناء بالوسائل المتاحة (حتى في الجيوب والثياب والحقائب) فكسروا حصار الصهاينة، واستثمروا انشغال اليهود بعيدهم حين يقللون الجنود المراقبين للمسجد الأقصى... وبذلك تم إنقاذه من السلب.
3- البوصلة القرآنية: فرغم حبه لبلدته لم ينشغل بها عن المسجد الأقصى، ولم يقل فلسطين أولاً! فيقدِّمها على الضوابط الشرعية ولا على أخوته للشعوب المسلمة.فكانت
وقفتُه العقائدية مع الشعب السوري المسلم مبكرةً وصريحةً ضد إجرام الأسد وحلفائه، وقد نظم مهرجاناً داخل فلسطين المحتلة لنصرة الثورة، ورفض متاجرة إيران والأسد بفلسطين.
وفي عام ٢٠١٣ نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام؛ تقديراً لإنجازاته لفلسطين، فقدم جائزته المالية كاملة مباشرة على المنصة لله؛ نصفين: أحدهما لأطفال سورية، والثاني لتأسيس وقف الأمة لخدمة المسجد الأقصى ودعم مشروع "مسيرة البيارق"؛ بتسيير حافلات "حُرّاس الأقصى" إليه من البلدات المحيطة، وتغطية حاجات المرابطين والمرابطات فيه الذين ينضوون في حلقات العلم وقراءة القرآن في مصاطب الأقصى.
ومن ثمرات هذه الجهود؛ ما قاله مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني: إن ما بين ٣٨٠ ألف إلى ٤٠٠ ألف مصل أحيَوا ليلة القدر (٢٧ رمضان ١٤٣٧هـ) في رحاب المسجد الأقصى.
ولهذه الأسباب لقب "شيخ الأقصى".
وتأكيداً على وحدة فلسطين شارك شيخ الأقصى عام ٢٠١٠ في أسطول الحرية الذي انطلق من تركيا لفك الحصار عن غزة، فتصدت لهم السفن والمروحيات الصهيونية، وقتلت منهم ١٦ شهيداً، وأصابت ٣٨ جريحاً. وكانت صورته بحوزة الجنود الصهاينة لاغتياله، لكنهم قتلوا رجلاً تركياً يشبهه، ثم اعتقلوه عند وصول الأسطول إلى ميناء إسدود. وهذه من محاولات اغتياله المتعددة التي أصيب في إحداها برصاصة في رأسه.
وكان لنضاله وشخصيته أثر كبير في إسلام الناشطة اليهودية طالي فحيمة سنة ٢٠١٠م.
4- جهاد الابتسامة والحرب النفسية: فابتسامته سلاح يغيظ به اليهود المحتلين عملاً بقول الله تعالى: (...ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)، يبتسم في محكمة المحتل، ولحظة اعتقاله... وقد تكرر سجنه لأسباب منها؛ ضَرْبه الجنود الصهاينة، والبَصْق على جندي حاول إذلاله!
وفي ١٧/ ١١/ ٢٠١٥م أغلق الاحتلال عشرات المؤسسات التي أنشأتها "الحركة الإسلامية" لخدمة الناس.
ومنذ ٨ أيار ٢٠١٦ سجن اليهود "شيخ الأقصى"، وقد صادروا منه نحو ٥٠ دفتراً كان يوثق فيها مذكّراته الدعوية.
مثل هذه الشخصيات والإنجازات تبعث الأمل وتحث على العمل وتذكر بالبشارات كالتي اجتمعت من عدة أحاديث: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، يقاتلون، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم، ولا من قاتلهم -إلا ما أصابهم من لَأْواء- حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: "في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس".
اللهم فك أسره، وهيئ للمسلمين أمثاله.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة