ســوء تقدير..

قال أحدهم:-
.
بعدما تشاجرتُ كالعادة مع زوجتي لأحد الأسباب التافهةِ وتطورَ الشجارُ إلى أن قلتُ لها: إن وجودكِ فى حياتي لا ميزةَ فيه، بل عدم وجودكِ كوجودكِ تماما، وكل ما تفعلينه تستطيع أيُّ خادمة أن تفعلَ أفضلَ منه، فما كان منها إلا أنْ نظرتْ إليَّ بعينين دامعتين، وتركتْني وذهبتْ إلى الغرفة الأخرى.. ثم ذهبتُ أنا إلى غرفتي لأنامَ غيرَ مُكترثٍ لدموعِها، وتركتُ الأمرَ وراءَ ظهري دونَ أيِّ اهتمام، ثم رأيتُ أنَّ هذا الموقفَ مرَّ على ذهني وأنا أُشيِّعُ جثمانَ زوجتي إلى المثوى الأخير والحضورُ يُعزِّيني على مُصابي فيها، ولكنني لم أكن أشعر بفرق كبير، ربما شعُرتُ ببعض الحزنِ ولكني كنتُ أبرِّرُ ذلك بأنَّ (العشرة لا تهون إلّا على أولاد الحرام) -كما يقال- وكلّها أيام معدودات وسأنساها تماما..
.
عدتُ إلى البيت بعد انتهاء مراسمِ العزاء، ولكن ما إن دخلتُ البيتَ حتى شعرتُ بوحشةٍ شديدةٍ تعتصرُ قلبي.. يا ألله!.. ما هذا الفراغ!.. هل رحلتْ جدرانُ البيت معها!.. هل سأقضي بقيّةَ عمري وحيدًا في هذا البيت الموحش!.. تملَّكتْني غصّةٌ شديدةٌ في صدري، ولكني حدَّثْتُ نفسي مُهَوِّنًا: الله يرحمها كانت نكدية!.
.
ثم ذهبتُ واستلقيتُ على السرير متحاشيًا النظرَ إلى موضع نومها ونمتُ
واستيقظتُ فى الصباح مُتأخِّرًا على موعدِ عملي، فنظرتُ إلى موضعِ نومِها لِأُوَبِّخَها على عدمِ إيقاظي باكرًا كما اعتدتُ منها، ولكني تذكّرتُ أنها قد ماتتْ وتركـتْـني إلى الأبد، ولا سبيلَ إلّا أنَ أعتمدَ على نفسي لأول مرة منذ تزوجتُها!..
.
ذهبتُ إلى عملي ومرَّ اليومُ عليَّ بِبُطءٍ شديدٍ ولكنَّ أكثرَ ما أقلقني هو تأخُّر مكالمة زوجتي اليومية لي لكي تخبرَني بمتطلباتِ البيت، يتْبعُها شجارٌ معتادٌ على ماهية الطلبات، ثم طلبها مني ألّا أتأخَّرَ عليها كثيرًا.. يا ألله!.. أيُّ مكالمةٍ تنتظرها؟!.. إنها ماتتْ!.. من اليوم لن يتصلَ بكَ أحدٌ ولن يهتم لك أحدٌ ولن ينتظرك أحدٌ!..
.
لا لا .. إنه شعور الفقد الطبيعي وستعتاده، لا عليكَ هوِّنْ على نفسِك.. عُدتُ لأتذكَّرَ مكالمتَها اليومية لي لأهوِّنَ على نفسي مرارةَ الفقدِ التي تُحيط بي من كل جانب، تذكَّرتُ شجارَها معي وعدم اهتمامها إلا للطلبات.. لكن.. ماذا؟!.. كانتْ تقولُ لي: «لا تتأخّرْ عليّ»!!!.. ويح!! لم أتنبَّهْ لهذه الجملةِ قبلًا!.. لكن..ربما كانتْ تقولها لاستعجالها الطلبات!..
لا لا .. لماذا لا تكون بسبب حبها لي وخوفها عليَّ؟!..
يا ألله!.. ما هذا الملل الذي يُحيطُ بي وأنا في عملي!.. ما الحالُ إذنْ حينما أرجعُ إلى البيت!..
انتهى وقتُ العمل، بعدها عرَّجْتُ على بعض أصدقائي في المقهى قليلا، ثم عدتُ إلى البيت وقلبي يتمنّى أن يرى ابتسامتَها الصافية تستقبلني على الباب وأنْ أسمعَ جملتَها المعتادة:
- جبت كل اللي قلتلك عليه؟
- قَلِّبي فى الأكياس، مش هتلاقى حاجة ناقصة!.
كنتُ أرى جملتَها هذه كأنها سوء استقبال، ولكني الآن أشتاق إلى سماعِها ولو لمرة واحدة!..
البيتُ أصبح خاويًا لا روحَ فيه... الثواني تمرُّ عليَّ وأنا وحيدٌ كأنها ساعات..
يا ألله!.. كم تركتُها تقضي الساعات وحيدة يوميًّا دونَ أنْ أفكِّرَ في إحساسها!..
كم أهملتُها وكنتُ أنظرُ إلى راحتي أنا فقط دون أن أنظرَ إلى راحتها!..
كم فكّرتُ فيما أريده أنا فقط ... ولم أُفكِّر فيما تريدُه هي!..
وزاد الأمرُ شدّةً ومرارةً حين مرِضْتُ ولم أجدْ من يُمرّضُني!...
كم افتقدتُ يديها الحانيتين ورعايتَها لي وسهرها عليَّ إلى أن يُتمَّ الله شفائي كأنها أمي وليست زوجتي!..
.
وبكيتُ كما لم أبكِ من قبلُ، ولم أفتأْ أُردِّدُ:- يا رب ارحمها بقدْرِ ما ظلمتُها أنا!..
وظللتُ هكذا حتى صرعَني النومُ ولم أفقْ إلا على رنين جرس المنبِّه فاعتدلتُ في فراشي.. ولكن مهلا!.. فكل شيء عاد كما كان كأنني كنتُ فى كابوسٍ بغيض!!!..
يا ألله !!!...لم يحدثْ شيءٌ من هذا فى الواقع!!.. حقًّا لم يحدث شيء!!..
هرعْتُ إلى الغرفة التي بها زوجتي ... اقتربتُ منها وقلبي يكاد يتوقف من شدة الفرح..وجدتُها نائمة ووسادتها مغرقةٌ بالدموع، فأيقظتُها ... فنظرَتْ إليَّ باستغرابٍ شديدٍ لا يخلو من عتاب..
لم أتمالكْ نفسي وأمسكتُ يديها وقبلتُهما، ونظرتُ إليها وعيناي تفيضان بالدموع وقلتُ لها من كل قلبي:- حقك عليَّ.. سامحيني.. لن أغضبَكِ أبدًا بعد اليوم.. أنا بدونك لا شيء!.
.
للأسف الكثير منا لا يدركُ قيمةَ الأحبَّةِ في حياته حتى يفتقدهم ويكون الأوان قد فات ..لِذا حاولوا تجديد أواصِر المحبّة والأخوة والروابط العائلية والصداقة بحُسْن المعاشرة واللين والكلمة الطيبة؛ فلا شيء يدوم سوى صدى الذكريات.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أدباء الدَّعوة في انتظار الـمِظلّة
جواب العلم والدين.. لما تعارض عن يقين!
غزّة العزّة.. مَعلَم وشاهد حضاري للأمّة
ترتيب الأولويات.. وأثرها في تحقيق الذات!
لم يصبر النَّتِن ياهو