حاصلة على شهادة ليسانس في الدراسات الإسلامية - لبنان
يوميات مدير عام
لقد اعتدنا في جميع مؤسساتنا الوظيفية وشركاتنا على المدير العام "الديكتاتوري"... ولا نجد في مدرائنا مَن يكسر قاعدة المدير الديكتاتوري إلا نادراً.... مِن هؤلاء المدراء النادرون الذين يكسرون القاعدة السيِّدة "سمر الحلاق" مديرة مدرسة أجيال صيدا/ التابعة لجمعية رعاية اليتيم في صيدا... ولقد دار معها الحوار حول فلسفتها في الإدارة وطريقة إدارتها للأمور...
• إشراقات: لقد اعتدنا في عالمنا العربي على المدير الذي يتم تعيينه من خارج المؤسسة التي يديرها، بحيث يكون عديم الخبرة بما يدير وبمن يدير... ونجد هذا ينطبق على بعض مؤسساتنا التربوية... فما هي نظرتك لمثل هذا الأمر؟
• السيدة سمر الحلاق: في كل المجالس التربوية التي أَحضُرُها دائماً أؤكِّد على أنَّ مدير المدرسة يجب أن يكون قد مارس مهنة التعليم جزءً كبيراً من حياته!! لماذا؟... لأنه يدير معلِّمين... والمعلِّم عنده تعب ومعاناة في نفس الوقت... المطلوب من المعلِّم هو ما يفوق طاقة إنسان... وإذا كان معلِّماً صاحب ضمير فسوف يتعب أكثر وأكثر... لأنه ليس هيِّناً أبداً أن تأخذي ولداً ومن ثمَّ تسلميه للمجتمع إنساناً كاملاً متكاملاً عنده أخلاق وتربية.. نحن نطلب من الإنسان المعلِّم المستحيل.. المعلِّم عليه القيام بواجباته، وخاصة أن الهيئة التعليمية معظمها إناث ومتزوجات... فنحن نطلب من المعلِّمة أن تكون أمَّاً، وتكون مدبِّرة منزل، وأن تكون زوجة صالحة، وأن تبني أولاد غيرها، وتؤثِّر في التربية التي أهملها غيرُها... فهذا شيء مستحيل... لذلك إنجازات المعلِّم عظيمة... ولذلك أنا أؤمن أنه يجب أن يكون للمعلِّم أعلى راتب في الدولة، لأن المعلِّم هو الذي ينحت كيف سيكون المستقبل إلى الأمام... لذلك عندما يكون الأستاذ مرتاحاً ونقدِّر تعبَه؛ فإننا نساهم ببناء وطن مثلما نحب...
أما عندما يتم إسقاط مدير من خارج المؤسسة التعليمية ولم يزاول مهنة التعليم!! هؤلاء المدراء الذين نزلوا بالبراشوت كلُّ همِّهم أنَّ لديهم مكتب... يلبسون أحسن ملابسهم.. همُّهم المنصب أكثر من العمل.. بينما أرى أنَّ هذا المنصب هو مركز للعمل وليس للأمور الثانية....
• إشراقات: كيف كانت تجربتك كمديرة لأول مرَّة؟
• السيدة سمر: عندما عُرض عليَّ منصب المديرة شعرت بتوتر كبير... هل يا تُرى سأستطيع القيام بالمهمة كما يجب؟!!
كان الداعم الأساسي لي أولادي الذين أضاؤوا على الإيجابيات الموجودة عندي... وهي أنني خلال 25 سنة من التعليم كان أولادي يعرفون خلالها كيف كانت علاقتي بتلاميذي... وعلاقتي بالطاقم التعليمي عندي في المدرسة هي نفسها... لم أكن تلك المعلِّمة التي تدخل الصف فتقف وتقول لهذا التلميذ: أنت اسكت... أنت اجلس... أنت لا دخل لك.... كانت علاقتي بتلاميذي علاقة ودِّية، وفي نفس الوقت التلاميذ يتطورون وينجحون...
الأمر الثاني: علاقتي مع أولادي في البيت وطريقتي في إدارة شؤون المنزل؛ لأن كيفية إدارة المنزل ليست بعيدة عن كيفية إدارة مؤسسة... فإدارتي لمنزلي لم يكن فيها قمع... فقال لي أولادي: هذا هو المطلوب منكِ في الإدارة أن تتعاملي مع فريق العمل في المدرسة بطريقة ليست فوقية... وأنا ربَّيت أولادي على الثقة، وقوَّيت فيهم ثقتهم بأنفسهم، وبعدها تركتهم، فوجدت ذلك إيجابياً بشكل كبير.... وأنا أتعامل مع فريق العمل بإعطائهم الثقة، وبجعل الأمانة في التعليم تنبع منهم... لا أن يكونوا أمناء؛ لأن هناك من يحاسبهم أو يتابع شؤونهم... لأنه من الهيِّن جدّاً أن يغشَّ المعلِّم... يُغلق باب صفه ويعطي ما يريد... هيِّن جدّاً هذا الأمر...
• تقول المعلِّمة "ثريا معنية"/ معلِّمة اللغة العربية في المدرسة: إنها ذات يوم رأت مديرة المدرسة السيدة سمر الحلاق تجلس مع عاملات التنظيف في المدرسة لتعلِّمهم كيفية التنظيف بشكل جيد... وقد تجدها مثلاً تحمل سلة النفايات بنفسها وتنقلها إلى مكانها الصحيح؛ دون أن تشعر بأي حرج... هذا السلوك لا يمكن أن يصدر من أي مدير في أي مكان آخر... فمدام سمر تتميَّز بالتواضع الشديد والحرص الشديد على متابعة شؤون المدرسة...
عن هذا السلوك سألنا السيدة "سمر الحلاق"؛ فقالت: أنا بطبيعتي أكره التقاليد التي ليس لها معنى وليس من ورائها مغزى... فما الذي يمنع من أن أقوم بحمل سلة النفايات بنفسي في المدرسة؛ إذا كنت أنا في بيتي أحمل نفايات المنزل وآخذها لأرميها؟!! فما الذي يمنعني من أن أقوم بذلك في المدرسة؟!! أنا أرى التعالي على مثل هذا السلوك تقليداً أعمى سخيفاً ليس له مبرر... بل على العكس الترفع عن لملمة ورقة النفايات من الأرض هو الأمر غير الطبيعي... كما أنَّ أولادنا في المدرسة هنا يرمون الزِّيَّ المدرسيَّ نهاية العام هنا وهناك... فأقوم بتجميع ما يرمونه بنفسي وأرسلها للغسيل... أنا لا أشعر أنَّ هذا الشيء أمر عظيم..
• تقول المعلِّمات "آية الصباغ" و"رشا حمزة" و"غريس مشنتف"/ المعلِّمات في قسم الدعم الأكاديمي في مدرسة أجيال صيدا: السيدة سمر مديرة المدرسة تشجعنا دائماً على العمل والإنجاز، وتلبِّي جميع طلباتنا، وإذا أخطأنا تعطينا فرصة للتصحيح والتقدُّم الدَّائم نحو الأفضل...
• تقول السيدة "سمر الحلاق": أنا أميِّز بين الخطأ والظروف الشخصية؛ الخطأ وارد من أي إنسان، لا يوجد أحد معصوم عن الخطأ أبداً...
أهم شيء عندي أن نتكلم عن الخطأ بكل صراحة وبكل لطف _ وأؤكد بكل لطف _ ومن ثم أراقب وأتابع وأعطي مجالاً للتصحيح، لأنني أعلم جيداً أن هناك أسباباً أدَّت إلى هذا الخطأ؛ منها أسباب قد تكون نابعةً من سوء الإدارة، أو عدم الإلمام بالموضوع. ولكن نحن لا نستطيع تحمل تكرار الخطأ نفسه؛ لأنه عندها يكون هذا إهمال من الموظف. وأنا دائماً أعطي فُرصاً للتصحيح؛ لأنني أراجع نفسي دائماً لأرى هل وفَّرنا كل اللوازم من جميع النواحي حتى لا يتكرر الخطأ؟! وأنا بطبيعتي لا أخجل أبداً من قول إن هناك تقصيراً حاصلاً منِّي عندما أكون مقصِّرة... لأنَّ كل إنسان من الممكن أن يخطئ، فلا أخجل من قول: أعتذر!! كان يجب علينا توفير الأمور بشكل أفضل لتأتي النتيجة أفضل...
وتضيف السيدة "سمر الحلاق": أنا أتعلَّم من أخطاء الفريق العامل معي...
أمَّا بالنسبة للظروف الشخصية فأنا متسامحة جداً، لأنَّ كل إنسان من الممكن أن يمرض، فأنا على سبيل المثال خلال السنتين الأوليين من استلامي للإدارة هنا دخلت المستشفى مرتين لمدة شهر كامل، فكل إنسان قد يمر بظروف؛ ولكنِّي أُعطي فرصة وضمن حدود....
• أمَّا عن فلسفتها في الإدارة فكانت إجابة السيدة "سمر الحلاق" على النحو التالي: أنا أعتمد الديمقراطية ومنفتحة، وأبني العلاقة على أساس المحبة والاحترام والتقدير، المدير الصارم يعيش مرتاحاً أكثر بكثير؛ لأنه قد وضع حاجزاً بينه وبين العاملين عنده، وارتدى خوذة تَقِيه من كل شيء وأراح رأسه بشكل تام. بينما الإدارة التي تعتمد الفلسفة التي أتبعها هي إدارة تعتمد خطّاً مليئاً بالحروب والمواجهات وفيه تعب... ولكن رغم ذلك أنا لا أغيره....
وتضيف السيدة "سمر" قائلة: المعلِّم في المجتمع يتعب من جميع النواحي... خاصة المرأة المعلِّمة... لذلك كان علينا دائماً أن نعطي معنويات للهيئة التعليمية... لذلك أعتمد التشجيع الدائم للعاملين وأدعمهم بكل ما عندي من إمكانات...
• وعن احترام المدير المنفتح سألنا السيدة سمر: أحياناً عندما يتعاطى المدير برُوح الأخوَّة مع الفريق العامل؛ هناك مَن يتجاوز حدوده ويُقلِّل من احترام المدير... فماذا تقولين في هذا الشأن؟
• السيدة سمر: أنا أعتبر الأشخاص الذين يتمادون عندما يكون المدير قريباً جداً منهم؛ هُم أُناس ليس عندهم النضوج الكافي، بينما الناضجون لو قلت لهم من اليوم وحتى الغد: يا حبيبتي، ويا عيوني، والله يعطيكم العافية، وماذا تريدون أنا جاهزة... هؤلاء لا يتعدون حدودهم... هذا الأمر كله يرجع إلى تربيتهم وطريقة تفكيرهم... أنا أحزن عليهم... لا يعرفون حدودهم... وفي نفس الوقت لا أردُّهم؛ ولكن أقوم بإقامة الحدود معهم... وفي نفس الوقت لا أسامح أبداً؛ خاصة هؤلاء الناس... عندما أتكلم معهم بنبرة ليسوا معتادين عليها يتفاجؤون؛ ولكنَّ المفعول يكون قوياًّ عليهم، لأنهم لا يتوقعون أن أكلِّمَهم بهذه الطريقة... بينما المدير القمعي يتوقعون منه الاستبداد والغضب...
الإنسان يُراجَع أو يُأنََّب حتى يصلح... عندما تكون علاقتك بالموظف جيدة وفجأة تقولين له: أنتَ أخطأت في هذا المكان... سيخجل من نفسه ويُصلح... سيقول بينه وبين نفسه: أنا علاقتي بالإدارة تغيَّرت... بينما عندما يكون المدير مستبدّاً سيجعل الموظف يشتمه في ظهره حين يؤنِّبه... فنحن نريد النتيجة..
• ختاماً ما ينقصنا في الإدارة هو أن ندير بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجلس بين أصحابه كأنه منهم يتعامل معهم كوالد وأخ كبير لهم... يستشيرهم في جميع الأمور.... فرَحِمَ الله مَن يدير مؤسسته بهذه الأخلاق... وإلى لقاء في حوار جديد...
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة