مَعركةُ الأمّةِ الأولى
يقول الله تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]. ويقول سبحانه: {وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء:113].
إنّ أقوى القوّة للأمّة تتجلّى في: انتمائها العقديّ، ونظامها التعليميّ، وترابطها الأخلاقيّ، واجتماع كلمتها.. والمُعلّم رائد ذلك كلّه.. ويقف بذلك صفًّا واحدًا أمام أعدائها..
إنّ كلّ أمّة عندما تبدأ بالنشأة والتكوين تنظر إلى ما حولها لتجد أنّ التعلّم والتعليم هو السلاح الأوّل، الذي يجب عليها أن تمتلكه لتبني نفسها، وتواجه تحدّيات الحياة المُتنوّعة.. وبهذا النظر والاعتبار عندما أراد الله تعالى بعثة النبيّ ﷺ، وهو سبحانه يعلم الغاية من رسالته، والهدف الأكبر لبعثته، فكان أوّل ما نزل عليه قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1ــ5]. وكان من أوائل ما نزل أيضًا قول الله تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}[الأعلى:6ــ7] .
وفيما يلي تغريدات مُتنوّعة، وخواطر من زوايا مختلفة عن المُعلّمِ وهموم التعليم، لَعَلّ فيها ما يضيء جوانب مُهمّة عن أزمة التعليم ومشكلاته :
لكلّ مادّة مفتاح لفهمها، فإذا لم يملك المُعلّم مفتاح الفهم للمادّة، فلن يستطيع تفهيمها لطلاّبه.. فليعد على نفسه باللائمة.
الحقيقة الجوهريّة في أزمة التعليم هي حاجة المُعلّم إلى التعليم: موضوعًا وأسلوبًا وتطويرًا.. إذ فاقد الشيء لا يعطيه.. وكلّ إناء لا ينضح إلاّ بما فيه.
المُعلّم الذي لا يستطيع توصيل المَعلومة لطلاّبه.. يعاني هو قبلهم من التمكّن فيها، وفهم جوانبها والإحاطة بها.. اعتنوا بأطفالنا، فالأرض الطيّبة تعطكم بالعناية بها أطيب الثمر ..
أكرموا المُعلّم برفع مستواه ماديًّا ومعنويًّا، فإكرامه إكرام لأبنائكم، وإحسان إليهم..
خَيرُ المُعلّمين مَن جمع بين العلم والعمل، والأخلاق والتربية، والأدب والقدوة، وكان رفيقًا رحيمًا، بلا عنف ولا فظاظة.
خَيرُ المُعلّمين مَن يمتدّ أثره بعده، ويَترك وراءه أحسن ذكرى، من التربية والتوجيه الحكيم..
خَيرُ المُعلّمين مَن يغرس الحبّ والتآلف، والتعاون المُثمر بين طلاّبه، حتّى يكونوا كالأسرَة الواحدة، حالًا ومُستقبلًا..
خَيرُ المُعلّمين مَن يجعل من بيئة التعليم بيئة جاذبة محبّبة، يتعلّق بها الطالب كما يتعلّق بأسرته أو أكثرَ..
خَيرُ المُعلّمين مَن يحبّب طلاّبه بالعلم والمَدرسة والكتاب، حتّى لا يُؤثر الطالب شيئًا عليهما.. المُعلّم القُدوة صاحب رسالة سامية، يُؤثّر بأولياء الأمور كما يُؤثّر بطلابه، ولا تقف رسالته عند منهج تعليمي مقرّر.
إكرام المُعلّم وتقديره من حبّ العلم وتعظيم دين الله تعالى، وتعظيم الرسالة التي يحملها.. ولا خير فيمن لا يعرف للمُعلّم قدره.
الأمّة التي لا يتواصل فيها البيت مع المَدرسة مع المَسجد، لا تقوم لها قائمة في التربية، ولا تتحقّق لها نهضة .
خير التعليم ما دام نفعه، وعظم أثره، ولا خير في تعليم يتناقض مع دين الأمّة وقيمها وآدابها.
لا بدّ من تعاون الأسرة والمُجتمع ورقابتهم على المُعلّم وبيئة المَدرسة، ليكون أداء المُعلّم التربوي على المُستوى الأمثل .
التعليم بناء وغذاء ودواء، وبداية النهضة لأيّ أمّة وحلّ مشكلاتها رفع مُستوى المُعلّم والتعليم فيها.
أيُّها المُعلّم! أخلص في عملك، وارفع مُستواك العلميّ والمِهنيّ، ولا تستهن برسالتك ومكانتك وأثرك، فأنت في قلب التأثير والتغيير..
أيُّها المُعلّم! سلاحك الأول ما تملك من ثقافة دينيّة موثوقة، وسلوك تربوي قويم، وحبّ تملك به قلوب طلّابك وأهليهم.
يوم المُعلّم عندنا هو كلّ يوم، ورسالته موصولة بالمُعلّم الأوّل ﷺ.. وما سوى ذلك فتخبُّط وضياع..
المُعلّم فارس المَيدان في المَعركة مع التخلّف بكلّ صوره ومظاهره، ومع الغزو الفكريّ والأخلاقيّ بكلّ أساليبه وأدواته.
إعداد المُعلّم المُربّي إعداد لأعظم وسائل التغيير والنهضة في المُجتمع، وإهمال ذلك هدر لطاقات الأمّة وتضييع لأجيالها.
مِن خلق آدم عليه السلام إلى بعثة محمد ﷺ كان التعليم المَوصول بالله تعالى هو الراية الكبرى المَرفوعة للحقّ..
لا تدري أيُّها المُعلّم المُربّي لعلّ كلمة هادية مصلحة تكون سبب سعادتك في الدنيا، ونجاتك في الآخرة.. فأخلص في عملك واجتهد ..
أصبحت الحياة من حولنا تضجّ بثورة علميّة وتقنيّة هائلة، ولا بدَّ لك أيّها المُعلّم من تجديد معلوماتك وتطويرها وإلّا أصبحتَ خارج الزمن. فاسع إلى ذلك سعيًا .
وكما في الحياة العسكريّة رُتَب يتدرّج فيها المُنتسبون إليها، فكذلك يجب أن يكون في الحياة المَدنيّة مثل ذلك، ومنها التعليم، ليتمّ ضبط الأداء التعليميّ وتطويره وتقويمه.
وفرق كبير بين المُعلّم المُبتدئ في هذا المَيدانِ، وبين من خطَا خطوة أو خطوتين.. وبين من قضى في التعليم عقدًا أو عقدين من السنين..
خيرُ دعاء يلهج به المُؤمن في كلّ حال: {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]. لأنّ زيادة العلم تستتْبع أبوابًا من الخَير لا تُحصى، وهي مفتاح النهضة والتقدّم في الحياة..
العِلم والتعليم ميدان رحب للتنافس، وكلّما ازداد الإنسان علمًا ازداد شعورًا بالمُنافسة والتحدّي مع الحياة والأحياء، وازداد حرصًا على تحصيل العِلم والنبوغ فيه، والله تعالى يقول: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف:76] .. ومن أولى بذلك من المُعلّم المُرَبّي، المُؤتمن على رسالة العلمِ والتعليم!؟
وبعد، فيا أيُّها المُعلّمون ازرعوا، ويا أيّها المُربّون جاهدوا، فيوم الحصاد قريب.. وكثيرًا ما يَنسَى المُعلّم والأستاذ، والداعية والناصح، إفادتَه وتوجيهَه، ونصحَه وتذكيره.. كما يَنسَونَ وجوه طلاّبهم وأسماءهم.. ويذكر ذلك من انتفع بهؤلاء، أو لا يذكرون، ويعترفون بالفضل أو لا يعترفون.. ولكنّ الله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا يضيع عنده شيء ولا يُنسَى.. {أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد}[المجادلة:6] . فبشراكم بشراكم أيّها المُعلّمون، والدعاة الناصحون المُخلصون!. ويا ربّ أفرح قلوبنا يوم لقاك بصحائف ملأى بالتعليم والهداية، والنصح لعبادك والإرشاد، وتقبّل منّا صالح ما أعطيتنا، وتجاوز عن تقصيرنا وخطايانا وسيّئاتنا..
هذا وباللَّه تعالى التوفيق وَالسداد، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا وحبيبنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله ربّ العالمين.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
مَعركةُ الأمّةِ الأولى
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل